للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَحْسَبُ أَنَّ الَّذِينَ سَنُّوا ذَلِكَ هُمْ أَهْلُ الْحَدِيثِ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ شَرْحِهِ عَلَى «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» «يُسْتَحَبُّ لِكَاتِبِ الْحَدِيثِ إِذا مر بِذكر اللَّهِ أَنْ يَكْتُبَ عَزَّ وَجَلَّ، أَوْ تَعَالَى، أَوْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أَوْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أَوْ جَلَّ ذِكْرُهُ، أَوْ تَبَارَكَ اسْمُهُ، أَوْ جَلَّتْ عَظَمَتُهُ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يَكْتُبُ عِنْدَ ذكر النبيء «صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» بكمالها لَا رَامِزًا إِلَيْهَا وَلَا مُقْتَصِرًا عَلَى بَعْضِهَا، وَيَكْتُبُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَكْتُوبًا فِي الْأَصْلِ الَّذِي يُنْقَلُ مِنْهُ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ رِوَايَةً وَإِنَّمَا هُوَ دُعَاء. وَيَنْبَغِي للقارىء أَنْ يَقْرَأَ كُلَّ مَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا فِي الْأَصْلِ الَّذِي يَقْرَأُ مِنْهُ وَلَا يَسْأَمُ مِنْ تَكَرُّرِ ذَلِكَ، وَمَنْ أَغْفَلَ ذَلِكَ حُرِمَ خَيْرًا عَظِيمًا» اهـ.

وَقَوْلُهُ: وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً الْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي صَلُّوا عَلَيْهِ حُكْمًا وَمَكَانًا وَصِفَةً فَإِنَّ صِفَتَهُ حُدِّدَتْ

بِقَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ»

فَإِنَّ الْمَعْلُومَ هُوَ صِيغَتُهُ الَّتِي فِي التَّشَهُّدِ «السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيءُ وَرَحِمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ» . وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ فِيهِ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «السَّلَامُ عَلَى النَّبِيءِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ» . وَالْجُمْهُورُ أَبْقَوْا لَفْظَهُ عَلَى اللَّفْظِ الَّذِي كَانَ فِي حَيَاةِ النَّبِيءِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَعْيًا لِمَا

وَرَدَ عَنِ النَّبِيءِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ حَيٌّ يَبْلُغُهُ تَسْلِيمَ أُمَّتِهِ عَلَيْهِ.

وَمِنْ أَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى أُبْقِيَتْ لَهُ صِيغَةُ التَّسْلِيمِ عَلَى الْأَحْيَاءِ وَهِيَ الصِّيغَةُ الَّتِي يَتَقَدَّمُ فِيهَا لَفَظُ التَّسْلِيمِ عَلَى الْمُتَعَلِّقِ بِهِ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ عَلَى الْأَمْوَاتِ يَكُونُ بِتَقْدِيمِ الْمَجْرُورِ عَلَى لَفْظِ السَّلَامِ. وَقَدْ

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للَّذي سلم عَلَيْهِ فَقَالَ: عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ: «إِنَّ عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى، فَقُلْ: السَّلَامُ عَلَيْكَ» .

وَالتَّسْلِيمُ مَشْهُورٌ فِي أَنَّهُ التَّحِيَّةُ بِالسَّلَامِ، وَالسَّلَامُ فِيهِ بِمَعْنَى الْأَمَانِ وَالسَّلَامَةِ، وَجُعِلَ تَحِيَّةً فِي الْأَوَّلِينَ عِنْدَ اللِّقَاءِ مُبَادَأَةً بِالتَّأْمِينِ مِنَ الِاعْتِدَاءِ وَالثَّأْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إِذْ كَانُوا إِذْ اتَّقَوْا أَحَدًا تَوَجَّسُوا خِيفَةً أَنْ يَكُونَ مُضْمِرًا شَرًّا لِمُلَاقِيهِ، فَكِلَاهُمَا يَدْفَعُ ذَلِكَ الْخَوْفَ بِالْإِخْبَارِ بِأَنَّهُ مُلْقٍ عَلَى مُلَاقِيهِ سَلَامَةً وَأَمْنًا. ثُمَّ شَاعَ ذَلِكَ حَتَّى صَارَ هَذَا اللَّفْظُ دَالًّا عَلَى الْكَرَامَةِ وَالتَّلَطُّفِ، قَالَ النَّابِغَةُ: