وَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: اذْكُرْ، عَلَى طَرِيقَةِ نَظَائِرِهِ مِنْ ظُرُوفٍ كَثِيرَةٍ وَارِدَةٍ فِي الْقُرْآنِ، وَتَكُونُ جُمْلَةُ يَقُولُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي وُجُوهُهُمْ.
وَالتَّقْلِيبُ: شِدَّةُ الْقَلْبِ. وَالْقَلْبُ: تَغْيِيرُ وَضَعِ الشَّيْء على جِهَة غَيْرِ الْجِهَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا.
وَالْمَعْنَى: يَوْمَ تُقَلِّبُ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ وُجُوهَهُمْ فِي النَّارِ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْهُمْ، أَوْ يَجْعَلُ اللَّهُ ذَلِكَ التَّقَلُّبَ فِي وُجُوهِهِمْ لِتَنَالَ النَّارُ جَمِيعَ الْوَجْهِ كَمَا يُقَلَّبُ الشِّوَاءُ عَلَى الْمَشْوَى
لِيَنْضَجَ عَلَى سَوَاءٍ، وَلَوْ كَانَ لَفْحُ النَّارِ مُقْتَصِرًا عَلَى أَحَدِ جَانِبَيِ الْوَجْهِ لَكَانَ لِلْجَانِبِ الْآخَرِ بَعْضُ الرَّاحَةِ.
وَتَخْصِيصُ الْوُجُوهِ بِالذِّكْرِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ لِأَنَّ حَرَّ النَّارِ يُؤْذِي الْوُجُوهَ أَشَدَّ مِمَّا يُؤْذِي بَقِيَّةَ الْجِلْدِ لِأَنَّ الْوُجُوهَ مَقَرُّ الْحَوَاسِّ الرَّقِيقَةِ: الْعُيُونِ وَالْأَفْوَاهِ وَالْآذَانِ وَالْمَنَافِسِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ [الزمر: ٢٤] .
وَحَرْفُ يَا فِي قَوْلِهِ: يَا لَيْتَنا لِلتَّنْبِيهِ لِقَصْدِ إِسْمَاعِ مَنْ يُرْثَى لِحَالِهِمْ مِثْلَ يَا حَسْرَتَنا [الْأَنْعَام: ٣١] . وَالتَّمَنِّي هُنَا كِنَايَةٌ عَنِ التَّنَدُّمِ عَلَى مَا فَاتَ، وَكَذَلِكَ نَحْوُ يَا حَسْرَتَنا أَيْ أَنَّ الْحَسْرَةَ غَيْرُ مُجْدِيَةٍ.
وَقَدْ عَلِمُوا يَوْمَئِذٍ أَنَّ مَا كَانَ يَأْمُرُهُمْ بِهِ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ تَبْلِيغٌ عَنْ مُرَادِ اللَّهِ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ إِذْ عَصَوْهُ فَقَدْ عَصَوُا اللَّهَ تَعَالَى فَتَمَنَّوْا يَوْمَئِذَ أَنْ لَا يَكُونُوا عَصَوُا الرَّسُولَ الْمُبَلِّغَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَالْأَلِفُ فِي آخِرِ قَوْلِهِ: الرَّسُولَا لِرِعَايَةِ الْفَوَاصِلِ الَّتِي بُنِيَتْ عَلَيْهَا السُّورَةُ فَإِنَّهَا بُنِيَتْ عَلَى فَاصِلَةِ الْأَلِفِ وَهِيَ أَلِفُ الْإِطْلَاقِ إِجْرَاءً لِلْفَوَاصِلِ مَجْرَى الْقَوَافِي الَّتِي تَلْحَقُهَا أَلْفُ الْإِطْلَاقِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا [١٠] فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَتَقَدَّمَتْ وُجُوهُ الْقِرَاءَاتِ فِي إِثْبَاتِهَا فِي الْوَصْلِ أَو حذفهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute