تُرِيدُونَ أَنْ نَدُلَّكُمْ عَلَى مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، أَيْ وَلَيْسَ مِنْ صِفَتِهِ أَنَّهُ نَبِيءٌ بَلْ هُوَ: إِمَّا كَاذِبٌ أَوْ غَيْرُ عَاقِلٍ.
وَالْإِنْبَاءُ: الْإِخْبَارُ عَنْ أَمْرٍ عَظِيمٍ، وَعَظَمَةُ هَذَا الْقَوْلِ عِنْدَهُمْ عَظَمَةُ إِقْدَامِ قَائِلِهِ عَلَى ادِّعَاءِ وُقُوعِ مَا يَرَوْنَهُ مُحَالَ الْوُقُوعِ.
وَجُمْلَةُ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ هِيَ الْمُنَبَّأُ بِهِ. وَلَمَّا كَانَ الْإِنْبَاءُ فِي مَعْنَى الْقَوْلِ لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ صَحَّ أَنْ يَقَعَ بَعْدَهُ مَا هُوَ من قَول المنبّىء. فَالتَّقْدِيرُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى: يَقُولُ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ، وَلِذَلِكَ اجْتُلِبَتْ (إِنَّ) الْمَكْسُورَةُ الْهَمْزَةِ دُونَ الْمَفْتُوحَةِ لِمُرَاعَاةِ حِكَايَة القَوْل.
وَهَذَا حِكَايَةِ مَا نَبَّأَ بِهِ لِأَنَّ الْمُنَبِّئَ إِنَّمَا نَبَّأَ بِأَنَّ النَّاسَ يَصِيرُونَ فِي خَلْقٍ جَدِيدٍ.
وَأَمَّا شِبْهُ الْجُمْلَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ: إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ فَلَيْسَ مِمَّا نَبَّأَ بِهِ الرَّجُلُ وَإِنَّمَا هُوَ اعْتِرَاضٌ فِي كَلَامِ الْحَاكِينَ تَنْبِيهًا عَلَى اسْتِحَالَةِ مَا يَقُولُهُ هَذَا الرَّجُلُ عَلَى أَنَّهُ لَازِمٌ لِإِثْبَاتِ الْخَلْقِ الْجَدِيدِ لِكُلِّ الْأَمْوَاتِ. وَلَيْسَ إِذا بِمُفِيدٍ شَرْطًا لِلْخَلْقِ الْجَدِيدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ يَلْزَمُ لِلْخَلْقِ الْجَدِيدِ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ الْبِلَى، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَكُونُ الْبِلَى حَائِلًا دُونَ الْخَلْقِ الْجَدِيدِ الْمُنَبَّأِ بِهِ.
وَتَقْدِيمُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ لِيَتَقَرَّرَ فِي أَذْهَانِ السَّامِعِينَ لِأَنَّهُ مَنَاطُ الْإِحَالَةِ فِي زَعْمِهِمْ، فَإِنَّ إِعَادَةَ الْحَيَاةِ لِلْأَمْوَاتِ تَكُونُ بَعْدَ انْعِدَامِ أَجْزَاءِ الْأَجْسَادِ، وَتَكون بعد تفرقها
تَفَرُّقًا قَرِيبًا مِنَ الْعَدَمِ، وَتَكُونُ بَعْدَ تَفَرُّقٍ مَا، وَتَكُونُ مَعَ بَقَاءِ الْأَجْسَادِ عَلَى حَالِهَا بَقَاءً مُتَفَاوِتًا فِي الصَّلَابَةِ وَالرُّطُوبَةِ، وَهُمْ أَنْكَرُوا إِعَادَةَ الْحَيَاةِ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ، وَلَكِنَّهُمْ خَصُّوا فِي كَلَامِهِمِ الْإِعَادَةَ بَعْدَ التَّمَزُّقِ كُلَّ مُمَزَّقٍ، أَيْ بَعْدَ اضْمِحْلَالِ الْأَجْسَادِ أَوْ تَفَرُّقِهَا الشَّدِيدِ، لِقُوَّةِ اسْتِحَالَةِ إِرْجَاعِ الْحَيَاةِ إِلَيْهَا بَعْدَئِذٍ.
وَالتَّمْزِيقُ: تَفْكِيكُ الْأَجْزَاءِ الْمُتَلَاصِقَةِ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ بِحَيْثُ تَصِيرُ قِطَعًا مُتَبَاعِدَةً.
وَالْمُمَزَّقُ: مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ لِمَزَّقَهُ مِثْلَ الْمُسَرَّحِ لِلتَّسْرِيحِ.
وكُلَّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَعْنَى الْكَثْرَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ [يُونُس: ٩٧] وَقَوْلِ النَّابِغَةِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute