للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَرَامَةً لِأَبِيهِ عَلَى إِنَابَتِهِ وَلِسُلَيْمَانَ عَلَى نَشْأَتِهِ الصَّالِحَةِ عِنْدَ أَبِيهِ، فَالْعَطْفُ عَلَى لَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا [سبأ: ١٠] وَالْمُنَاسَبَةُ مِثْلُ مُنَاسَبَةِ ذِكْرِ دَاوُدَ فَإِنَّ سُلَيْمَانَ كَانَ مَوْصُوفًا بِالْإِنَابَةِ قَالَ تَعَالَى: ثُمَّ أَنابَ فِي سُورَةِ ص [٣٤] .

والرِّيحَ عَطْفٌ عَلَى الْحَدِيدَ فِي قَوْلِهِ: وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ [سبأ: ١٠] بِتَقْدِيرِ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَأَلَنَّا. وَالتَّقْدِيرُ: وَسَخَّرَنَا لِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَلَى نَحْوِ قَوْلِ الشَّاعِرِ:

مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحًا (١) أَيْ وَحَامِلًا رُمْحًا.

وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِسُلَيْمانَ لَامُ التَّقْوِيَةِ أَنَّهُ لَمَّا حَذَفَ الْفِعْلَ لِدَلَالَةِ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ قرن مَفْعُوله الْأَوَّلِ بِلَامِ التَّقْوِيَةِ لِأَنَّ الِاحْتِيَاجَ إِلَى لَامِ التَّقْوِيَةِ عِنْدَ حَذْفِ الْفِعْلِ أَشَدُّ مِنَ الِاحْتِيَاجِ إِلَيْهَا عِنْدَ تَأْخِيرِ الْفِعْلِ عَنِ الْمَفْعُولِ. والرِّيحَ مَفْعُولٌ ثَانٍ.

وَمَعْنَى تَسْخِيرِهِ الرِّيحَ: خَلْقُ رِيحٍ تُلَائِمُ سَيْرَ سَفَائِنِهِ لِلْغَزْوِ أَوِ التِّجَارَةِ، فَجَعَلَ اللَّهُ لِمَرَاسِيهِ فِي شُطُوطِ فِلَسْطِينَ رِيَاحًا مَوْسِمِيَّةً تَهُبُّ شَهْرًا مُشْرِقَةً لِتَذْهَبَ فِي ذَلِكَ الْمَوْسِمِ سُفُنُهُ، وَتَهُبُّ شَهْرًا مُغْرِبَةً لِتَرْجِعَ سفنه إِلَى شواطىء فِلَسْطِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ [٨١] .

فَأَطْلَقَ الْغُدُوَّ عَلَى الِانْصِرَافِ وَالِانْطِلَاقِ مِنَ الْمَكَانِ تَشْبِيهًا بِخُرُوجِ الْمَاشِيَةِ لِلرَّعْيِ فِي الصَّبَاحِ وَهُوَ وَقْتُ خُرُوجِهَا، أَوْ تَشْبِيهًا بِغُدُوِّ النَّاسِ فِي الصَّبَاحِ.

وَأَطْلَقَ الرَّوَاحَ عَلَى الرُّجُوعِ مِنَ النَّهْمَةِ الَّتِي يَخْرُجُ لَهَا كَقَوْل ابْن أَبِي رَبِيعَةَ:

أَمِنْ آلِ نُعْمٍ أَنْتَ غَادٍ فَمُبْكِرُ ... غَدَاةَ غَدٍ أَمْ رَائِحٌ فَمُؤَخِّرُ

لِأَنَّ عُرْفَهُمْ أَنَّ رَوَاحَ الْمَاشِيَةِ يَكُونُ فِي الْمَسَاءِ فَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ رَاحَ إِذَا رَجَعَ إِلَى مَقَرِّهِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ بِلَفْظِ إِفْرَادِ الرِّيحَ وَبِنَصْبِ الرِّيحَ عَلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْحَدِيدَ فِي قَوْلِهِ: وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ [سبأ: ١٠] . وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ


(١) أَوله وَرَأَيْت زَوجك فِي الوغى.