للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَى يَمِينِهَا وَشِمَالِهَا بِغَابَةٍ مِنَ الْجَنَّاتِ يصطافون فِيهَا ويستثمروها مِثْلَ غُوطَةِ دِمَشْقَ، وَهَذَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ بَعْدَ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ [سبأ: ١٦] لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْمُبَدَّلَ بِهِ جَنَّتَانِ اثْنَتَانِ، إِلَّا أَنْ تَجْعَلَهُ عَلَى التَّوْزِيعِ مِنْ مُقَابَلَةِ الْمُتَعَدِّدِ بِالْمُتَعَدِّدِ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ جَنَّاتٍ مَغْرُوسَةٍ أَشْجَارًا مُثْمِرَةً وَأَعْنَابًا.

وَكَانَتْ مَدِينَتُهُمْ مَأْرِبُ (بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ الْمِيمِ) وَهِيَ بَيْنَ صنعاء وحضرموت، قبل، كَانَ السَّائِرُ فِي طَرَائِقِهَا لَوْ وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ مِكْتَلًا لوجده قد ملىء ثِمَارًا مِمَّا يَسْقُطُ مِنَ الْأَشْجَارِ الَّتِي يَسِيرُ تَحْتَهَا. وَلَعَلَّ فِي هَذَا الْقَوْلِ شَيْئًا مِنَ الْمُبَالَغَةِ إِلَّا أَنَّهَا تُؤْذِنُ بِوَفْرَةٍ.

وَكَانَ ذَلِكَ بِسَبَبِ تَدْبِيرٍ أَلْهَمَهُمُ اللَّهُ إِيَّاهُ فِي اخْتِزَانِ الْمِيَاهِ النَّازِلَةِ فِي مَوَاسِمِ الْمَطَرِ بِمَا بَنَوْا مِنَ السَّدِّ الْعَظِيمِ فِي مَأْرِبَ.

وَجُمْلَةُ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ مَقُولُ قَوْلٍ إِمَّا مِنْ دَلَالَةِ لِسَانِ الْحَالِ كَمَا فِي قَوْلِهِ:

امْتَلَأَ الْحَوْضُ وَقَالَ قَطْنِي وَإِمَّا أَبْلَغُوهُ عَلَى أَلْسِنَةِ أَنْبِيَاءَ بُعِثُوا مِنْهُمْ، قِيلَ: بُعِثَ فِيهِمُ اثْنَا عَشَرَ نَبِيئًا، أَيْ مِثْلُ تُبَّعِ أَسْعَدَ، فَقَدْ نُقِلَ أَنَّهُ كَانَ نَبِيئًا كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَوْمُ تُبَّعٍ [ق: ١٤] أَوْ غَيْرُهُ، قَالَ تَعَالَى: مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ [غَافِر: ٧٨] ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ مِمَّا قَالَهُ سُلَيْمَانُ بَلْقِيسَ أَوْ مِمَّا قَالَهُ الصَّالِحُونَ مِنْ رُسُلِ سُلَيْمَانَ إِلَى سَبَأٍ، وَفِي جَعْلِ جَنَّتانِ فِي نَظْمِ الْكَلَامِ بَدَلًا عَنْ آيَةٍ كِنَايَةٌ عَنْ طِيبِ تُرْبَةِ بِلَادِهِمْ. قِيلَ: كَانُوا يَزْرَعُونَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي كُلِّ عَامٍ.

وَالطَّيِّبَةُ: الْحَسَنَةُ فِي جِنْسِهَا الْمُلَائِمَةُ لِمُزَاوِلِهَا وَمُسْتَثْمِرِهَا قَالَ تَعَالَى: وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ [يُونُس: ٢٢] وَقَالَ: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً [النَّحْل: ٩٧] وَقَالَ: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ [الْأَعْرَاف: ٥٨] وَقَالَ: رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً [آل عمرَان: ٣٨] .

وَفِي حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ فِي صدقته بحائط (بئرحاء) : «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ»

. وَالطَّيِّبُ ضِدُّ الْخَبِيثِ قَالَ تَعَالَى: وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ [النِّسَاء: ٢] وَقَالَ: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ [الْأَعْرَاف: ١٥٧] .