للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(الْإِرْسَال) : الْإِطْلَاق وَهُوَ ضِدُّ الْحَبْسِ، وَتَعْدِيَتُهُ بِحَرْفِ (عَلَى) مُؤْذِنَةٌ بِأَنَّهُ إِرْسَالُ نِقْمَةٍ فَإِنَّ سَيْلَ الْعَرِمِ كَانَ مَحْبُوسًا بِالسَّدِّ فِي مَأْرِبَ فَكَانُوا يُرْسِلُونَ مِنْهُ بِمِقْدَارِ مَا يَسْقُونَ جَنَّاتِهِمْ،

فَلَمَّا كَفَرُوا بِاللَّهِ بَعْدَ الدَّعْوَةِ لِلتَّوْحِيدِ قَدَّرَ اللَّهُ لَهُمْ عِقَابًا بِأَنْ قَدَّرَ أَسْبَابَ انْهِدَامِ السَّدِّ فَانْدَفَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْمَاءِ فَكَانَ لَهُم غرقا وَإِتْلَافًا لِلْأَنْعَامِ وَالْأَشْجَارِ، ثُمَّ أعقبه جفاف باختلال نِظَامِ تَسَاقُطِ الْأَمْطَارِ وَانْعِدَامِ الْمَاءِ وَقْتَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَهَذَا جَزَاءٌ عَلَى إِعْرَاضِهِمْ وَشِرْكِهِمْ.

والْعَرِمِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا مِنَ الْعَرَامَةِ وَهِيَ الشِّدَّةُ وَالْكَثْرَةُ فَتَكُونُ إِضَافَةُ «السَّيْلِ» إِلَى الْعَرِمِ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَرِمِ اسْمًا لِلسَّيْلِ الَّذِي كَانَ يَنْصَبُّ فِي السَّدِّ فَتَكُونُ الْإِضَافَةُ مِنْ إِضَافَةِ الْمُسَمَّى إِلَى الِاسْمِ، أَيِ السَّيْلُ الْعَرِمُ.

وَكَانَتْ لِلسُّيُولِ وَالْأَوْدِيَةِ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ أَسْمَاءٌ كَقَوْلِهِمْ: سَيْلُ مَهْزُورٍ وَمُذَيْنِيبٍ الَّذِي كَانَتْ تُسْقَى بِهِ حَدَائِقُ الْمَدِينَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ الْأَعْشَى:

وَمَأْرِبُ عَفَّى عَلَيْهَا الْعَرِمُ وَقِيلَ: الْعَرِمِ اسْمُ جَمْعِ عَرَمَةٍ بِوَزْنِ شَجَرَةٍ، وَقِيلَ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ وَهُوَ مَا بُنِيَ لِيُمْسِكَ الْمَاءَ لُغَةٌ يَمَنِيَّةٌ وَحَبَشِيَّةٌ. وَهِيَ الْمَسْنَاةُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَالْمَسْنَاةُ بِوَزْنِ مَفْعَلَةٍ الَّتِي هِيَ اسْمُ الْآلَةِ مُشْتَقٌّ مِنْ سَنَيْتُ بِمَعْنَى سَقَيْتُ، وَمِنْهُ سُمِّيَتِ السَّاقِيَةُ سَانِيَةً وَهِيَ الدَّلْوُ الْمُسْتَقَى بِهِ وَالْإِضَافَةُ عَلَى هَذَيْنِ أَصِيلَةٌ.

وَالْمَعْنَى: أَرْسَلْنَا السَّيْلَ الَّذِي كَانَ مخزونا فِي السدّ.

وَكَانَ لِأَهْلِ سَبَأٍ سَدٌّ عَظِيمٌ قُرْبَ بِلَاد مأرب يعرف بسد مَأْرِبَ (وَمَأْرِبُ مِنْ كُوَرِ الْيَمَنِ) وَكَانَ أَعْظَمَ السِّدَادِ فِي بِلَادِ الْيَمَنِ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا سِدَادٌ كَثِيرَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ وَكَانُوا جَعَلُوا هَذِهِ السِّدَادَ لِخَزْنِ الْمَاءِ الَّذِي تَأْتِي بِهِ السُّيُولُ فِي وَقْتِ نُزُولِ الأمطار فِي الشتَاء وَالربيع ليسقوا مِنْهَا الْمزَارِع والجنات فِي وَقت انحباس الْأَمْطَارِ فِي الصَّيْفِ وَالْخَرِيفِ فَكَانُوا يَعْمِدُونَ إِلَى مَمَرَّاتِ السُّيُولِ مِنْ بَيْنِ الْجِبَالِ فَيَبْنُونَ فِي مَمَرِّ الْمَاءِ سُورًا مِنْ صُخُورٍ يَبْنُونَهَا بِنَاءً مُحْكَمًا يَصُبُّونَ فِي الشُّقُوقِ الَّتِي بَيْنَ الصُّخُورِ الْقَارَ حَتَّى تَلْتَئِمَ فَيَنْحَبِسَ الْمَاءُ الَّذِي يَسْقُطُ هُنَالِكَ حَتَّى إِذَا امْتَلَأَ الْخَزَّانُ جَعَلُوا بِجَانِبَيْهِ