وَالشَّكُورُ يَعْتَبِرُ بِمَا أُعْطِيَ مِنَ النِّعَمِ فَيَزْدَادُ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا يَبْطَرُ النِّعْمَةَ وَلَا يَطْغَى فَيُعَاقَبَ بِسَلْبِهَا كَمَا سُلِبَتْ عَنْهُمْ، وَمِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ أَنْ يَحْرِمَهُمُ اللَّهُ التَّوْفِيقَ. وَأَنْ يُقْذَفَ بِهِمُ الْخِذْلَانُ فِي بُنَيَّاتِ الطَّرِيقِ.
وَفِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ تَأْمِينَ الطَّرِيقِ وَتَيْسِيرَ الْمُوَاصَلَاتِ وَتَقْرِيبَ الْبُلْدَانِ لِتَيْسِيرِ تَبَادُلِ الْمَنَافِعِ وَاجْتِلَابِ الْأَرْزَاقِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ نِعْمَةٌ إِلَهِيَّةٌ وَمَقْصِدٌ شَرْعِيٌّ يُحِبُّهُ اللَّهُ لِمَنْ يُحِبُّ أَنْ يَرْحَمَهُ مِنْ عِبَادِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً [الْبَقَرَة: ١٢٥] وَقَالَ: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ [الْبَقَرَة: ١٢٦] وَقَالَ: وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قُرَيْش: ٤] فَلِذَلِكَ قَالَ هُنَا: وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ [سبأ:
١٨] .
وَعَلَى أَنَّ الْإِجْحَافَ فِي إِيفَاءِ النِّعْمَةِ حَقَّهَا مِنَ الشُّكْرِ يُعَرِّضُ بِهَا لِلزَّوَالِ وَانْقِلَابِ الْأَحْوَالِ قَالَ تَعَالَى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ [النَّحْل:
١١٢] .
مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كُلِّهِ كَانَ حَقًّا عَلَى وُلَاةِ أُمُورِ الْأُمَّةِ أَنْ يَسْعَوْا جُهْدَهُمْ فِي تَأْمِينِ الْبِلَادِ وَحِرَاسَةِ السُّبُلِ وَتَيْسِيرِ الْأَسْفَارِ وَتَقْرِيرِ الْأَمْنِ فِي سَائِرِ نَوَاحِي الْبِلَادِ جَلِيلِهَا وَصَغِيرِهَا بِمُخْتَلِفِ الْوَسَائِلِ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَهَمِّ مَا تُنْفَقُ فِيهِ أَمْوَالُ الْمُسْلِمِينَ وَمَا يَبْذُلُ فِيهِ أَهْلُ الْخَيْرِ مِنَ الْمُوسِرِينَ أَمْوَالَهُمْ عَوْنًا عَلَى ذَلِكَ، وَذَلِكَ مِنْ رَحْمَةِ أَهْلِ الْأَرْضِ الْمَشْمُولَةِ
لِقَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ»
. وَكَانَ حَقًّا عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ أَنْ يُرْشِدُوا الْأَئِمَّةَ وَالْأُمَّةَ إِلَى طَرِيقِ الْخَيْرِ وَأَنْ يُنَبِّهُوا عَلَى مَعَالِمِ ذَلِكَ الطَّرِيقِ وَمَسَالِكِهِ بِالتَّفْصِيلِ دُونَ الْإِجْمَالِ، فَقَدِ افْتَقَرَتِ الْأُمَّةُ إِلَى الْعَمَلِ وسئمت الْأَقْوَال.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute