للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللَّامُ أَنْ تَكُونَ دَاخِلَةً عَلَى الشَّافِعِ، وَأَنَّ (مَنِ) الْمَجْرُورَةَ بِاللَّامِ صَادِقَةٌ عَلَى الشَّافِعِ، أَيْ لَا تُقْبَلُ شَفَاعَةٌ إِلَّا شَفَاعَةٌ كَائِنَةٌ لِمَنْ أَذِنَ اللَّهُ لَهُ، أَيْ أَذِنَ لَهُ بِأَنْ يَشْفَعَ فَاللَّام للْملك كَقَوْلِك: الْكَرَمُ لِزَيْدٍ، أَيْ هُوَ كَرِيمٌ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ [السَّجْدَة: ٤] . وَأَنْ

تَكُونَ اللَّامُ دَاخِلَةً عَلَى الْمَشْفُوعِ فِيهِ، وَ (مَنْ) صَادِقَةً عَلَى مَشْفُوعٍ فِيهِ، أَيْ إِلَّا شَفَاعَةً لِمَشْفُوعٍ أَذِنَ اللَّهُ الشَّافِعِينَ أَنْ يَشْفَعُوا لَهُ أَيْ لِأَجْلِهِ فَاللَّامُ لِلْعِلَّةِ كَقَوْلِكَ: قُمْتُ لِزَيْدٍ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى [الْأَنْبِيَاء: ٢٨] .

وَإِنَّمَا جِيءَ بِنَظْمِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى غَيْرِ مَا نُظِمَتْ عَلَيْهِ غَيْرُهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا إِبْطَالُ رَجَائِهِمْ أَنْ تَشْفَعَ لَهُمْ آلِهَتُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ فَيَنْتَفِعُوا بِشَفَاعَتِهَا، لِأَنَّ أَوَّلَ الْآيَةِ تَوْبِيخٌ وَتَعْجِيزٌ لَهُمْ فِي دَعْوَتِهِمُ الْآلِهَةَ الْمَزْعُومَةَ فَاقْتَضَتْ إِبْطَالَ الدَّعْوَةِ وَالْمَدْعُوِّ.

وَقَدْ جَمَعَتِ الْآيَةُ نَفْيَ جَمِيعِ أَصْنَافِ التَّصَرُّفِ عَنْ آلِهَةِ الْمُشْرِكِينَ كَمَا جَمَعَتْ نَفْيَ أَصْنَافِ الْآلِهَةِ الْمَعْبُودَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ، لِأَنَّ مِنَ الْعَرَبِ صَابِئَةً يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَهِيَ فِي زَعْمِهِمْ مُسْتَقِرَّةٌ فِي السَّمَاوَاتِ تُدَبِّرُ أُمُورَ أَهْلِ الْأَرْضِ فَأَبْطَلَ هَذَا الزَّعْمَ قَوْلُهُ: لَا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ فَأَمَّا فِي السَّمَاوَاتِ فَبِاعْتِرَافِهِمْ أَنَّ الْكَوَاكِبَ لَا تَتَصَرَّفُ فِي السَّمَاوَاتِ وَإِنَّمَا تَصَرُّفُهَا فِي الْأَرْضِ، وَأَمَّا فِي الْأَرْضِ فَبِقَوْلِهِ: وَلا فِي الْأَرْضِ. وَمِنَ الْعَرَبِ عَبْدَةُ أَصْنَامٍ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْأَصْنَامَ شُرَكَاءُ لِلَّهِ فِي الْإِلَهِيَّةِ فَنَفَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ، وَمِنْهُم من يَزْعمُونَ أَنَّ الْأَصْنَامَ جَعَلَهَا اللَّهُ شُفَعَاءَ لِأَهْلِ الْأَرْضِ فَنَفَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ الْآيَةَ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ أَذِنَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَفِيهِ ضَمِيرٌ يَعُودُ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ مِثْلَ ضَمَائِرِ الْغَيْبَةِ الَّتِي قَبْلَهُ. وَقَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلنَّائِبِ.

وَالْمَجْرُورُ مِنْ قَوْلِهِ: لَهُ فِي مَوْضِعِ نَائِبِ الْفَاعِلِ.

وَقَوْلُهُ: حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ حَتَّى ابْتِدَائِيَّةٌ وَهِيَ تُفِيدُ ارْتِبَاطَ مَا بَعْدَهَا بِمَا قَبْلَهَا لَا مَحَالَةَ فَالضَّمَائِرُ الَّتِي فِي الْجُمْلَةِ الْوَاقِعَةِ بَعْدَ حَتَّى عَائِدَةٌ عَلَى مَا يَصْلُحُ لَهَا فِي الْجُمَلِ الَّتِي قَبْلَهَا. وَقَدْ أَفَادَتْ حَتَّى الْغَايَةَ بِأَصْلِ وَضْعِهَا وَهِيَ هُنَا غَايَةٌ لِمَا أَفْهَمَهُ قَوْلُهُ: إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ مِنْ أَنَّ هُنَالِكَ إِذْنًا يَصْدُرُ مِنْ جَانِبِ