أَقْوَالِ اللَّهِ تَعَالَى حِينَئِذٍ مِنْ قَبُولِ شَفَاعَةٍ فِي بَعْضِ الْمَشْفُوعِ فِيهِمْ وَمِنْ حِرْمَانٍ لِغَيْرِهِمْ كَمَا يُقَالُ: مَاذَا قَالَ الْقَاضِي لِلْخَصْمِ؟ فَيُقَالُ: قَالَ الْفَصْلَ. فَهَذَا حِكَايَةٌ لِمَقُولِ اللَّهِ بِالْمَعْنَى.
وَانْتِصَابُ الْحَقَّ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ قالُوا يَتَضَمَّنُ معنى الْكَلَام، أَيْ قَالَ الْكَلَامَ الْحَقَّ، كَقَوْلِهِ:
وَقَصِيدَةٍ تَأْتِي الْمُلُوكَ غَرِيبَةً ... قَدْ قُلْتُهَا لِيُقَالَ مَنْ ذَا قَالَهَا
هَذَا هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي يَقْتَضِيهِ نَظْمُ الْآيَةِ وَيَلْتَئِمُ مَعَ مَعَانِيهَا. وَقَدْ ذَهَبَتْ فِي تَفْسِيرِهَا أَقْوَالُ كَثِيرٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ طَرَائِقَ قِدَدًا، وَتَفَرَّقُوا بَدَدًا بَدَدًا.
وَ (ذَا) مِنْ قَوْلِهِ: مَاذَا إِشَارَةٌ عُومِلَتْ مُعَامَلَةَ الْمَوْصُولِ لِأَنَّ أَصْلَ: مَاذَا قالَ:
مَا هَذَا الَّذِي قَالَ، فَلَمَّا كَثُرَ اسْتِعْمَالُهَا بِدُونِ ذِكْرِ اسْمِ الْمَوْصُولِ قِيلَ أَنَّ (ذَا) بَعْدَ الِاسْتِفْهَامِ تَصِيرُ اسْمَ مَوْصُولٍ، وَقَدْ يُذْكَرُ الْمَوْصُولُ بَعْدَهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ [الْبَقَرَة: ٢٥٥] .
وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ فُزِّعَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَفَتْحِ الزَّايِ مُشَدَّدَةً بِصِيغَةِ الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، أَيْ فَزَّعَ اللَّهُ عَنْ قُلُوبِهِمْ.
وَقَدْ
وَرَدَ فِي أَحَادِيثِ الشَّفَاعَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ لِآدَمَ: «أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ»
،
وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي شَفَاعَةِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَحْشَرِ كُلِّهِمْ «لِيَدْخُلْ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ» . وَفِيهِ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَبَوْا أَنْ يَشْفَعُوا وَأَنَّ أَهْلَ الْمَحْشَرِ أَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ: «سَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ»
،
وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْفَعُ لِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ فَيُجْعَلُ فِي ضِحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ تَغْلِي مِنْهُ أُمُّ دِمَاغِهِ»
. وَجُمْلَةُ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ تَتِمَّة جَوَابَ الْمُجِيبِينَ، عَطَفُوا تَعْظِيمَ اللَّهِ بِذِكْرِ صِفَتَيْنِ مِنْ صِفَاتِ جَلَالِهِ، وَهُمَا صِفَةُ الْعَلِيُّ وَصِفَةُ الْكَبِيرُ.
وَالْعُلُوُّ: عُلُوُّ الشَّأْنِ الشَّامِلُ لِمُنْتَهَى الْكَمَالِ فِي الْعِلْمِ.
وَالْكِبْرُ: الْعَظَمَةُ الْمَعْنَوِيَّةُ، وَهِيَ مُنْتَهَى الْقُدْرَةِ وَالْعَدْلِ وَالْحِكْمَةِ، وَتَخْصِيصُ هَاتَيْنِ