للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِهَا مِنَ الْعَوَارِضِ فَجَعَلُوا مَا حَفَّ بِحَالِهِمْ فِي كُفْرِهِمْ مِنْ وَفْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ حُجَّةٍ عَلَى أَنَّهُمْ مَظِنَّةُ الْعِنَايَةِ عِنْدَ اللَّهِ وَأَنَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ هُوَ الْحَقُّ. وَهَذَا تَعْرِيضٌ مِنْهُمْ بِعَكْسِ حَالِ الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّ حَالَ ضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ، وَقِلَّةِ عَدَدِهِمْ، وَشَظَفِ عَيْشِهِمْ حُجَّةٌ عَلَى أَنَّهُمْ غَيْرُ مَحْظُوظِينَ عِنْدَ اللَّهِ، وَلَمْ يَتَفَطَّنُوا إِلَى أَنَّ أَحْوَالَ الدُّنْيَا مُسَبَّبَةٌ عَلَى أَسْبَابٍ دُنْيَوِيَّةٍ لَا عَلَاقَةَ لَهَا بِأَحْوَالِ الْأَوْلَادِ. وَهَذَا الْمَبْدَأُ الْوَهْمِيُّ السِّفُسْطَائِيُّ خَطِيرٌ فِي الْعَقَائِدِ الضَّالَّةِ الَّتِي كَانَتْ لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْمُنْتَشِرَةِ عِنْدَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَخْلُو الْمُسْلِمُونَ مِنْ قَرِيبٍ مِنْهَا فِي تَصَرُّفَاتِهِمْ فِي الدِّينِ وَمَرْجِعُهَا إِلَى قِيَاسِ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ وَهُوَ قِيَاسٌ يُصَادِفُ الصَّوَابَ تَارَةً وَيُخْطِئُهُ تَارَاتٍ.

وَمِنْ أَكْبَرِ أَخْطَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا الْبَابِ خَطَأُ اللَّجَأِ إِلَى الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ فِي أَعْذَارِهِمْ، وَخَطَأُ التَّخَلُّقِ بِالتَّوَكُّلِ فِي تَقْصِيرِهِمْ وَتَكَاسُلِهِمْ.

فَجُمْلَةُ وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ [سبأ: ٣١] الَخْ، وَقَوْلُهُمْ: وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ كَالنَّتِيجَةِ لِقَوْلِهِمْ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً، وَإِنَّمَا جِيءَ فِيهِ بِحَرْفِ الْعَطْفِ لِتَرْجِيحِ جَانِبِ الْفَائِدَةِ الْمُسْتَقِلَّةِ على جَانب الاستنتاج الَّذِي يومىء إِلَيْهِ مَا تَقَدَّمَهُ وَهُوَ قَوْلُهُمْ: نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً فَحَصَلَ مِنْ هَذَا النَّظْمِ اسْتِدْلَالٌ لِصِحَّةِ دِينِهِمْ وَلِإِبْطَالِ مَا جَاءَ بِهِ الْإِسْلَامُ ثُمَّ الِافْتِخَارِ بِذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالضَّعَةِ لِجَانِبِ الْمُسْلِمِينَ بِإِشَارَةٍ إِلَى قِيَاسٍ اسْتِثْنَائِيٍّ بِنَاء عَلَى مُلَازَمَةٍ مَوْهُومَةٍ، وَكَأَنَّهُمُ اسْتَدَلُّوا بِانْتِفَاءِ التَّعْذِيبِ عَلَى أَنَّهُمْ مُقَرَّبُونَ عِنْدَ اللَّهِ بِنَاءً عَلَى قِيَاسِ مُسَاوَاةٍ مَطْوِيٍّ فَكَأَنَّهُمْ حَصَرُوا وَسَائِلَ الْقُرْبِ عِنْدَ اللَّهِ فِي وَفْرَةِ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ. وَلَوْلَا هَذَا التَّأْوِيل لخلت كِلْتَا الْجُمْلَتَيْنِ عَنْ أَهَمِّ مَعْنَيَيْهِمَا وَبِهِ يَكُونُ مَوْقِعُ الْجَوَابِ بِ قُلْ إِنَّ رَبِّي

يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ

أَشَدَّ اتِّصَالًا بِالْمَعْنَى، أَيْ قُلْ لَهُمْ: إِنَّ بَسْطَ الرِّزْقِ وَتَقْتِيرَهُ شَأْنٌ آخَرُ مِنْ تَصَرُّفَاتِ اللَّهِ الْمَنُوطَةِ بِمَا قَدَّرَهُ فِي نِظَامِ هَذَا الْعَالَمِ، أَيْ فَلَا مُلَازَمَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرُّشْدِ وَالْغَيِّ، وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ، وَلَوْ تَأَمَّلْتُمْ أَسْبَابَ الرِّزْقِ لَرَأَيْتُمُوهَا لَا تُلَاقِي أَسْبَابَ الْغَيِّ وَالِاهْتِدَاءِ، فَرُبَّمَا وَسَّعَ اللَّهُ الرِّزْقَ عَلَى الْعَاصِي وَضَيَّقَهُ عَلَى الْمُطِيعِ وَرُبَّمَا عَكَسَ فَلَا يُغْرَنَّهُمْ هَذَا وَذَاكَ فَإِنَّكُمْ لَا تَعْلَمُونَ.

وَهَذَا مَا جَعَلَ قَوْلَهُ: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ مُصِيبًا الْمَحَزَّ، فَأَكْثَرُ النَّاسِ