وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ [سبأ: ٣٦] .
فَيَكُونَ مِمَّا أُمِرَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَقُولَهُ لَهُمْ وَيُبْلِغَهُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَكُونُ فِي ضَمِيرِ عِنْدَنا الْتِفَاتٌ، وَضَمَائِرُ الْخِطَابِ تَكُونُ عَائِدَةً إِلَى الَّذِينَ قَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ [سبأ: ٣٥] وَفِيهَا وَجْهٌ ثَالِثٌ نُنَبِّهُ عَلَيْهِ قَرِيبًا.
وَهُوَ ارْتِقَاءٌ مِنْ إِبْطَالِ الْمُلَازِمَةِ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَحَلِّ الرِّضَى مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى طَرِيقَةِ النَّقْضِ التَّفْصِيلِيِّ الْمُسَمَّى بِالْمُنَاقَضَةِ أَيْضًا فِي عِلْمِ الْمُنَاظَرَةِ. وَهُوَ مَقَامُ الِانْتِقَالِ مِنَ الْمَنْعِ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَى إِبْطَالِ دَعْوَى الْخَصْمِ، فَقَدْ أَبْطَلَتِ الْآيَةُ أَنْ تَكُونَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ مُقَرِّبَةً عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ لَا يُقَرِّبُ إِلَى اللَّهِ إِلَّا الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ.
وَجِيءَ بِالْجُمْلَةِ الْمَنْفِيَّةِ فِي صِيغَةِ حَصْرٍ بِتَعْرِيفِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ وَالْمُسْنَدِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ أُرِيدَ مِنْهَا نَفْيُ قَوْلِهِمْ: نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ أَيْ لَا أَنْتُمْ، فَكَانَ كَلَامُهُمْ فِي قُوَّةِ حَصْرِ التَّقْرِيبِ إِلَى اللَّهِ فِي كَثْرَةِ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ فَنُفِيَ ذَلِكَ بِأَسْرِهِ.
وَتَكْرِيرُ لَا النَّافِيَةِ بَعْدَ الْعَاطِفِ فِي وَلا أَوْلادُكُمْ لِتَأْكِيدِ تَسَلُّطِ النَّفْيِ عَلَى كِلَا الْمَذْكُورَيْنِ لِيَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مَقْصُودًا بِنَفْيِ كَوْنِهِ مِمَّا يُقَرِّبُ إِلَى الله وملتفتا إِلَيْهِ.
وَلَمَّا كَانَتِ الْأَمْوَالُ وَالْأَوْلَادُ جَمْعَيْ تَكْسِيرٍ عُومِلَا مُعَامَلَةَ الْمُفْرَدِ الْمُؤَنَّثِ فَجِيءَ بِخَبَرِهِمَا اسْم مَوْصُول الْمُفْرد الْمُؤَنَّثِ عَلَى تَأْوِيلِ جَمَاعَةِ الْأَمْوَالِ وَجَمَاعَةِ الْأَوْلَادِ وَلَمْ يُلْتَفَتْ إِلَى تَغَلُّبِ الْأَوْلَادِ عَلَى الْأَمْوَالِ فَيُخْبَرُ عَنْهُمَا مَعًا ب (الَّذين) وَنَحْوِهِ.
وَعَدَلَ عَنْ أَنْ يُقَالَ: بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ إِلَيْنَا، إِلَى تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا لِأَنَّ التَّقْرِيبَ هُنَا مَجَازٌ فِي التَّشْرِيفِ وَالْكَرَامَةِ لَا تَقْرِيبَ مَكَانٍ.
وَالزُّلْفَى: اسْمٌ لِلْقُرْبِ مِثْلَ الرُّجْعَى وَهُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ نَائِبٌ عَنِ الْمَصْدَرِ، أَيْ تُقَرِّبُكُمْ تَقْرِيبًا، وَنَظِيرُهُ وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً [نوح: ١٧] .
وَقَوْلُهُ: إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ. وإِلَّا بِمَعْنَى (لَكِنِ) الْمُخَفَّفَةِ النُّونِ الَّتِي هِيَ لِلِاسْتِدْرَاكِ وَمَا بَعْدَهَا كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ، وَذَلِكَ مِنِ اسْتِعْمَالَاتِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ مَا بَعْدَ إِلَّا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَانَ