لِنُفُوسِهِمْ، فَإِذَا تَأَيَّدَ بِالدَّلِيلِ الْبُرْهَانِيِّ تَمَهَّدَ السَّبِيلُ لِتَصْدِيقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ مِنْ وَعْدِ اللَّهِ وَهُوَ يَوْمُ الْبَعْثِ لِأَنَّهُ لَمَّا تَبَيَّنَ صِدْقُهُ فِي الْأُولَى يُعْلَمُ صِدْقُهُ فِي الثَّانِيَةِ بِحُكْمِ قِيَاسِ الْمُسَاوَاةِ.
وَالْخِطَابُ لِلْمُشْرِكِينَ، أَوْ لَهُمْ وَلِلْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّ مَا تَلَاهُ صَالِحٌ لِمَوْعِظَةِ الْفَرِيقَيْنِ كُلٌّ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ.
وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِ إِنْ إِمَّا لِأَنَّ الْخِطَابَ لِلْمُنْكِرِينَ، وَإِمَّا لِتَغْلِيبِ فَرِيقِ الْمُنْكِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّهُمْ أَحْوَجُ إِلَى تَقْوِيَةِ الْمَوْعِظَةِ.
وَالْوَعْدُ مَصْدَرٌ، وَهُوَ الْإِخْبَارُ عَنْ فِعْلِ الْمُخْبِرِ شَيْئًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَالْأَكْثَرُ أَنْ يَكُونَ
فِيمَا عَدَا الشَّرِّ، وَيُخَصُّ الشَّرُّ مِنْهُ بِاسْمِ الْوَعِيدِ، يَعُمُّهُمَا وَهُوَ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ الْآيَةَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٦٨] .
وَإِضَافَتُهُ إِلَى الِاسْمِ الْأَعْظَمِ تَوْطِئَةٌ لِكَوْنِهِ حَقًّا لِأَنَّ اللَّهَ لَا يَأْتِي مِنْهُ الْبَاطِلُ.
وَالْحَقُّ هُنَا مُقَابِلُ الْكَذِبِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ صَادِقٌ. وَوَصْفُهُ بِالْمَصْدَرِ مُبَالغَة فِي حَقِيقَته.
وَالْمُرَادُ بِهِ: الْوَعْدُ بِحُلُولِ يَوْمِ جَزَاءٍ بَعْدَ انْقِضَاءِ هَذِهِ الْحَيَاةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ تَفْرِيعُ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا الْآيَةَ.
والغرور بِضَمِّ الْغَيْنِ وَيُقَالُ التَّغْرِيرُ: إِيهَامُ النَّفْعِ وَالصَّلَاحِ فِيمَا هُوَ ضُرٌّ وَفَسَادٌ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [١٩٦] وَعِنْدَ قَوْلِهِ:
زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١١٢] .
وَالْمُرَادُ بِالْحَيَاةِ: مَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ أَحْوَالُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ لَهْوٍ وَتَرَفٍ، وَانْتِهَائِهَا بِالْمَوْتِ وَالْعَدَمِ مِمَّا يُسَوِّلُ لِلنَّاسِ أَنْ لَيْسَ بَعْدَ هَذِهِ الْحَيَاةِ أُخْرَى.
وَإِسْنَادُ التَّغْرِيرِ إِلَى الْحَيَاةِ وَلَوْ مَعَ تَقْدِيرِ الْمُضَافِ إِسْنَادٌ مَجَازِيٌّ لِأَنَّ الْغَارَّ لِلْمَرْءِ هُوَ نَفْسُهُ الْمُنْخَدِعَةُ بِأَحْوَالِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَهُوَ مِنْ إِسْنَادِ الْفِعْلِ إِلَى سَبَبِهِ وَالْبَاعِثِ عَلَيْهِ.