للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ [فاطر: ٦] الْآيَةَ، وَبِذِكْرِ مُقَابِلِ عَوَاقِبِهِ مِنْ حَالِ الْمُؤْمِنِينَ، كَذَلِكَ أَتْبَعَ تَفْصِيلَ غُرُورِ الْأَنْفُسِ أَهْلَهَا بِعَوَاقِبِهِ وَبِذِكْرِ مُقَابِلِهِ أَيْضًا لِيَلْتَقِيَ مَآلُ الْغَرُورَيْنِ وَمُقَابِلِهِمَا فِي مُلْتَقًى وَاحِدٍ، وَلَكِنْ قُدِّمَ فِي الْأَوَّلِ عَاقِبَةُ أَهْلِ الْغَرُورِ بِالشَّيْطَانِ ثُمَّ ذُكِرَتْ عَاقِبَةُ أَضْدَادِهِمْ، وَعُكِسَ فِي مَا هُنَا لِجَرَيَانِ ذِكْرِ عِزَّةِ اللَّهِ فَقُدِّمَ مَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِآثَارِ عَزَّةِ اللَّهِ فِي حِزْبِهِ وَجُنْدِهِ.

وَجُمْلَةُ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا بِمُنَاسَبَةِ تَفْصِيلِ الْغَرُورِ الَّذِي يُوقَعُ فِيهِ.

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ أَعْمَالَ الْمُؤْمِنِينَ هِيَ الَّتِي تَنْفَعُ لِيَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّ أَعْمَالَ الْمُشْرِكِينَ سَعْيٌ بَاطِلٌ. وَالْقُرُبَاتُ كُلُّهَا تَرْجِعُ إِلَى أَقْوَالٍ وَأَعْمَالٍ، فَالْأَقْوَالُ مَا كَانَ ثَنَاءً عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتِغْفَارًا وَدُعَاءً، وَدُعَاءَ النَّاسِ إِلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ. وَتَقَدَّمَ ذِكْرُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ [٧٠] . وَالْأَعْمَالُ فِيهَا قُرُبَاتٌ كَثِيرَةٌ. وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَتَقَرَّبُونَ إِلَى أَصْنَامِهِمْ بِالثَّنَاءِ وَالتَّمْجِيدِ كَمَا قَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمَ أُحُدٍ: اعْلُ هُبَلَ، وَكَانُوا يَتَحَنَّثُونَ بِأَعْمَالٍ مِنْ طَوَافٍ وَحَجٍّ وَإِغَاثَةِ مَلْهُوفٍ وَكَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مَشُوبًا بِالْإِشْرَاكِ لِأَنَّهُمْ يَنْوُونَ بِهَا التَّقَرُّبَ إِلَى الْآلِهَةِ فَلِذَلِكَ نَصَبُوا أَصْنَامًا فِي الْكَعْبَةِ وَجَعَلُوا هُبَلَ وَهُوَ كَبِيرُهُمْ عَلَى سَطْحِ الْكَعْبَةِ، وَجَعَلُوا إِسَافَا وَنَائِلَةَ فَوْقَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، لِتَكُونَ مَنَاسِكُهُمْ لِلَّهِ

مَخْلُوطَةً بِعِبَادَةِ الْآلِهَةِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الْإِشْرَاكِ فِي جَمِيعِ أَعْمَالِهِمْ.

فَلَمَّا قُدِّمَ الْمَجْرُورُ مِنْ قَوْلِهِ: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ أُفِيدَ أَنَّ كُلَّ مَا يُقَدَّمُ مِنَ الْكَلِمِ الطَّيِّبِ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ فَ الْعَمَلُ مُقَابِلُ الْكَلِمُ، أَيِ الْأَفْعَالُ الَّتِي لَيْسَتْ مِنَ الْكَلَامِ، وَضَمِيرُ الرَّفْعِ عَائِدٌ إِلَى مَعَادِ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ: إِلَيْهِ وَهُوَ اسْمُ الْجَلَالَةِ مِنْ قَوْلِهِ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً. وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ مِنْ يَرْفَعُهُ عَائِدٌ إِلَى الْعَمَلُ الصَّالِحُ أَيِ اللَّهُ يَرْفَعُ الْعَمَلَ الصَّالِحَ.

والصعود: الْإِذْهَابُ فِي مَكَانٍ عَالٍ. وَالرَّفْع: نَقْلُ الشَّيْءِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ أَعْلَى مِنْهُ، فَالصُّعُودُ مُسْتَعَارٌ لِلْبُلُوغِ إِلَى عَظِيمِ الْقَدْرِ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْقَبُولِ لَدَيْهِ.