تَشْبِيهِ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ وَبِالْعَكْسِ لِتَلَازُمِهِمَا، وَأُوتِيَ تَشْبِيهُ الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ فِي مَوْضِعَيْنِ لِكَوْنِ وَجْهِ الشَّبَهِ فِي الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ أَوْضَحَ، وَعَكْسُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعَيْنِ لِأَنَّ وَجْهَ الشَّبَهِ أَوْضَحُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْآخَرَيْنِ.
إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ إِنْ أَنْتَ [٢٢] إِلَّا نَذِيرٌ [٢٣] .
لَمَّا كَانَ أَعْظَمُ حِرْمَانٍ نَشَأَ عَنِ الْكُفْرِ هُوَ حِرْمَانُ الِانْتِفَاعِ بِأَبْلَغِ كَلَامٍ وَأَصْدَقِهِ وَهُوَ الْقُرْآنُ كَانَ حَالُ الْكَافِرِ الشَّبِيهِ بِالْمَوْتِ أَوْضَحَ شَبَهًا بِهِ فِي عَدَمِ انْتِفَاعِهِ بِالْقُرْآنِ وَإِعْرَاضِهِ عَنْ سَمَاعِهِ وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت: ٢٦] ، وَكَانَ حَالُ الْمُؤْمِنِينَ بِعَكْسِ ذَلِكَ إِذْ تَلَقَّوُا الْقُرْآنَ وَدَرَسُوهُ وَتَفَقَّهُوا فِيهِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ [الزمر: ١٨] ، وَأُعْقِبَ تَمْثِيلُ حَالِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ بِحَالِ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ بِتَوْجِيهِ الْخِطَابِ إِلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْذِرَةً لَهُ فِي التَّبْلِيغِ لِلْفَرِيقَيْنِ، وَفِي عَدَمِ قَبُولِ تَبْلِيغِهِ لَدَى أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ، وَتَسْلِيَةً لَهُ عَنْ ضَيَاعِ وَابِلِ نُصْحِهِ فِي سِبَاخِ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ قَبُولَ الَّذِينَ قَبِلُوا الْهُدَى وَاسْتَمَعُوا إِلَيْهِ كَانَ بِتَهْيِئَةِ اللَّهِ تَعَالَى نُفُوسَهُمْ لِقَبُولِ الذِّكْرِ وَالْعِلْمِ، وَأَنَّ عَدَمَ انْتِفَاعِ الْمُعْرِضِينَ بِذَلِكَ هُوَ بِسَبَبِ مَوْتِ قُلُوبِهِمْ فَكَأَنَّهُمُ الْأَمْوَاتُ فِي الْقُبُورِ وَأَنْتَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُسْمِعَ الْأَمْوَاتَ، فَجَاءَ قَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ عَلَى مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ: وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ مُقَابَلَةَ اللَّفِّ بِالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ.
فَجُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ تَعْلِيلٌ لِجُمْلَةِ إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ [فاطر: ١٨] ، لِأَنَّ مَعْنَى الْقَصْرِ يَنْحَلُّ إِلَى إِثْبَاتٍ وَنَفْيٍ فَكَانَ مُفِيدًا فَرِيقَيْنِ: فَرِيقًا انْتَفَعَ بِالْإِنْذَارِ، وَفَرِيقًا لَمْ يَنْتَفِعْ، فَعُلِّلَ ذَلِكَ بِ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ.
وَقَوْلُهُ: وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ إِشَارَةٌ إِلَى الَّذِينَ لَمْ يَشَأِ اللَّهُ أَنْ يُسْمِعَهُمْ إِنْذَارَكَ.
وَاسْتُعِيرَ مَنْ فِي الْقُبُورِ لِلَّذِينِ لَمْ تَنْفَعْ فِيهِمُ النُّذُرُ، وَعَبَّرَ عَنِ الْأَمْوَاتِ بِ مَنْ فِي
الْقُبُورِ
لِأَنَّ مَنْ فِي الْقُبُورِ أَعْرَقُ فِي الِابْتِعَادِ عَنْ بُلُوغِ الْأَصْوَاتِ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute