للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْ شِبْهِ الظُّلْمَةِ وَهُوَ لَوْنُ السَّوَادِ وَشِبْهِ الصُّبْحِ هُوَ لَوْنُ الْبَيَاضِ، فَهُمَا الْأَصْلَانِ لِلْأَلْوَانِ، وَتَنْشَقُّ مِنْهَا أَلْوَانٌ كَثِيرَةٌ وُضِعَتْ لَهَا أَسْمَاءٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ وَتَشْبِيهِيَّةٌ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا لَوْنُها فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٦٩] ، وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ.

وَالْمَقْصُودُ مِنْ الِاعْتِبَارِ هُوَ اخْتِلَافُ أَلْوَانِ الْأَصْنَافِ مِنَ النَّوْعِ الْوَاحِدِ كَاخْتِلَافِ أَلْوَانِ التُّفَّاحِ مَعَ أَلْوَانِ السَّفَرْجَلِ، وَأَلْوَانِ الْعِنَبِ مَعَ أَلْوَانِ التِّينِ، وَاخْتِلَافِ أَلْوَانِ الْأَفْرَادِ مِنَ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ تَارَاتٍ كَاخْتِلَافِ أَلْوَانِ التُّمُورِ وَالزَّيْتُونِ وَالْأَعْنَابِ وَالتُّفَّاحِ وَالرُّمَّانِ.

وَذِكْرُ إِنْزَالِ الْمَاءِ مِنَ السَّمَاءِ إِدْمَاجٌ فِي الْغَرَضِ لِلِاعْتِبَارِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنِ اتِّحَادِ أَصْلِ نَشْأَةِ الْأَصْنَافِ وَالْأَنْوَاعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: تُسْقَى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ [الرَّعْد: ٤] وَذَلِكَ أَرْعَى لِلِاعْتِبَارِ.

وَجِيءَ بِالْجُمْلَتَيْنِ الْفِعْلِيَّتَيْنِ فِي أَنْزَلَ وَ «أَخْرَجْنَا» لِأَنَّ إِنْزَالَ الْمَاءِ وَإِخْرَاجَ الثَّمَرَاتِ مُتَجَدِّدٌ آنًا فَآنًا.

وَالِالْتِفَاتُ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى التَّكَلُّمِ فِي قَوْلِهِ: أَنْزَلَ وَقَوْلِهِ: «أَخْرَجْنَا» لِأَنَّ الِاسْمَ الظَّاهِرَ أَنْسَبُ بِمَقَامِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْقُدْرَةِ لِأَنَّهُ الِاسْمُ الْجَامِعُ لِمَعَانِي الصِّفَاتِ.

وَضَمِيرُ التَّكَلُّمِ أَنْسَبُ بِمَا فِيهِ امْتِنَانٌ.

وَقُدِّمَ الِاعْتِبَارُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الثَّمَرَاتِ لِأَنَّ فِي اخْتِلَافِهَا سَعَةً تُشْبِهُ سَعَةَ اخْتِلَافِ

النَّاسِ فِي الْمَنَافِعِ وَالْمَدَارِكِ وَالْعَقَائِدِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْأُتْرُجَّةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ وَلَا رِيحَ لَهَا»

. وَجُرِّدَ مُخْتَلِفاً مِنْ عَلَامَةِ التَّأْنِيثِ مَعَ أَنَّ فَاعِلَهُ جَمْعٌ وَشَأْنُ النَّعْتِ السَّبَبِيِّ أَنْ يُوَافِقَ مرفوعه فِي التَّذَكُّر وَضِدِّهِ وَالْإِفْرَادِ وَضِدِّهِ، وَلَا يُوَافِقُ فِي ذَلِكَ مَنْعُوتَهُ،