للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كِنَايَةٌ عَنِ انْتِفَاءِ أَنْ يَفُوتَ عِلْمَهُ تَعَالَى شَيْءٌ. وَذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنِ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ فَهِيَ كِنَايَةٌ رَمْزِيَّةٌ.

وَجُمْلَةُ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ

الْآيَةَ وَبَيْنَ جُمْلَةِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ.

وَالْخَلَائِفُ: جَمْعُ خَلِيفَةٍ، وَهُوَ الَّذِي يَخْلُفُ غَيْرَهُ فِي أَمْرٍ كَانَ لِذَلِكَ الْغَيْرِ، كَمَا تَقَدَّمَ

عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٣٠] ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ أُمَمٍ مَضَتْ كَمَا فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ فِي سُورَةِ يُونُسَ [١٤] فَيَكُونُ هَذَا بَيَانًا لِقَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ

أَيْ هُوَ الَّذِي أَوْجَدَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَكَيْفَ لَا يَعْلَمُ مَا غَابَ فِي قُلُوبِكُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الْملك: ١٤] وَيكون مَا صدف ضَمِيرِ جَمَاعَةِ الْمُخَاطَبِينَ شَامِلًا لِلْمُؤْمِنِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ النَّاسِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ مُتَصَرِّفِينَ فِي الْأَرْضِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [الْأَعْرَاف: ١٢٩] ، فَيَكُونَ الْكَلَامُ بِشَارَةً لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُونَ أَهْلَ سُلْطَانٍ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ أُمَمٍ تَدَاوَلَتْ سِيَادَةَ الْعَالَمِ وَيَظْهَرُ بِذَلِكَ دِينُ الْإِسْلَامِ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ.

وَالْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ مُفِيدَةٌ تُقَوِّي الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ جَعْلُ اللَّهِ الْمُخَاطَبِينَ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ.

وَقَدْ تَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ: عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ

قَوْلُهُ: فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَهُوَ شَرْطٌ مُسْتَعْمَلٌ كِنَايَةً عَنْ عَدَمِ الِاهْتِمَامِ بِأَمْرِ دَوَامِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ.

وَجُمْلَةُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً بَيَانٌ لِجُمْلَةِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَكَانَ مُقْتَضَى ظَاهِرِ هَذَا الْمَعْنَى أَنْ لَا تُعْطَفَ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْبَيَانَ لَا يُعْطَفُ عَلَى الْمُبَيَّنِ، وَإِنَّمَا خُولِفَ ذَلِكَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الِاهْتِمَامِ بِهَذَا الْبَيَانِ فَجُعِلَ مُسْتَقِلًّا بِالْقَصْدِ إِلَى الْإِخْبَارِ بِهِ فَعُطِفَتْ عَلَى الْجُمْلَةِ الْمُبَيَّنَةِ بِمَضْمُونِهَا تَنْبِيهًا عَلَى ذَلِكَ الِاسْتِقْلَالِ، وَهَذَا مَقْصِدٌ يَفُوتُ لَوْ تُرِكَ الْعَطْفُ، أَمَّا مَا تُفِيدُهُ مِنَ الْبَيَانِ فَهُوَ أَمْرٌ لَا يَفُوتُ لِأَنَّهُ تَقْتَضِيهِ نِسْبَةُ مَعْنَى الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مَعْنَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى.