للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنَّهَا خَلَقَتْهُ، وَلَا فِي السَّمَاوَاتِ شَيْءٌ لَهَا فِيهِ شِرْكٌ مَعَ اللَّهِ فَأَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُحَاجَّهُمْ وَيُوَجِّهَ الْخِطَابَ إِلَيْهِمْ بِانْتِفَاءِ صِفَةِ الْإِلَهِيَّةِ عَنْ أَصْنَامِهِمْ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ نَفَى اسْتِحْقَاقَهَا لِعِبَادَتِهِمْ بِأَنَّهَا لَا تَرْزُقُهُمْ كَمَا فِي أَوَّلِ السُّورَةِ، وَبَعْدَ أَنْ أَثْبَتَ اللَّهُ التَّصَرُّفَ فِي مَظَاهِرِ الْأَحْدَاثِ الْجَوِّيَّةِ وَالْأَرْضِيَّةِ وَاخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا مِنْ قَوْلِهِ: وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ [فاطر: ٩] ، وَذَكَّرَهُمْ بِخَلْقِهِمْ وَخَلْقِ أَصْلِهِمْ وَقَالَ عَقِبَ ذَلِكَ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ [فاطر: ١٣] الْآيَةَ عَادَ إِلَى بُطْلَانِ إِلَهِيَّةِ الْأَصْنَامِ.

وَبُنِيَتِ الْحُجَّةُ عَلَى مُقَدِّمَةِ مُشَاهَدَةِ انْتِفَاءِ خَصَائِصِ الْإِلَهِيَّةِ عَنِ الْأَصْنَامِ، وَهِيَ خُصُوصِيَّةِ خَلْقِ الْمَوْجُودَاتِ وَانْتِفَاءِ الْحُجَّةِ النَّقْلِيَّةِ بِطَرِيقَةِ الِاسْتِفْهَامِ التَّقْرِيرِيِّ فِي قَوْلِهِ: أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ يَعْنِي: إِنْ كُنْتُمْ رَأَيْتُمُوهُمْ فَلَا سَبِيلَ لَكُمْ إِلَّا الْإِقْرَارَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَخْلُقُوا شَيْئًا.

وَالْمُسْتَفْهَمُ عَنْ رُؤْيَتِهِ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ فِي الِاسْتِعْمَالِ هُوَ أَحْوَالُ الْمَرْئِيِّ وَإِنَاطَةُ الْبَصَرِ بِهَا، أَيْ أَنَّ أَمْرَ الْمُسْتَفْهَمِ عَنْهُ وَاضِحٌ بَادٍ لِكُلِّ مَنْ يَرَاهُ كَقَوْلِهِ: أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ [الماعون: ١، ٢] وَقَوْلِهِ: أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ [الْإِسْرَاء: ٦٢] إِلْخَ.. وَالْأَكْثَرُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَوْطِئَةً لِكَلَامٍ يَأْتِي بَعْدَهُ يَكُونُ هُوَ كَالدَّلِيلِ عَلَيْهِ أَوِ الْإِيضَاحِ لَهُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَيُؤَوَّلُ مَعْنَاهُ بِمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ كَلَامٍ بَعْدَهُ، فَفِي قَوْلِهِ هُنَا: أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ تَمْهِيدٌ لِأَنْ يَطْلُبَ مِنْهُمُ الْإِخْبَارَ عَنْ شَيْءٍ خَلَقَهُ شُرَكَاؤُهُمْ فَصَارَ الْمُرَادُ مِنْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ انْظُرُوا مَا تُخْبِرُونَنِي بِهِ مِنْ أَحْوَالِ خَلْقِهِمْ شَيْئًا مِنَ الْأَرْضِ، فَحَصَلَ فِي قَوْلِهِ: أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ إِجْمَالٌ فَصَّلَهُ قَوْلُهُ:

أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ فَتَكُونُ جُمْلَةُ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا بَدَلًا مِنْ جُمْلَةِ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ بَدَلَ اشْتِمَالٍ أَوْ بَدَلَ مُفَصَّلٍ مِنْ مُجْمَلٍ.

وَالْمُرَادُ بِالشُّرَكَاءِ مَنْ زَعَمُوهُمْ شُرَكَاءَ اللَّهِ فِي الْإِلَهِيَّةِ فَلِذَلِكَ أُضِيفَ الشُّرَكَاءُ إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ، أَيِ الشُّرَكَاءِ عِنْدَكُمْ، لِظُهُورِ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْأَصْنَامَ شُرَكَاءُ مَعَ الْمُخَاطَبِينَ بِشَيْءٍ فَتَمَحَّضَتِ الْإِضَافَةُ لِمَعْنَى مُدَّعِيكُمْ شُرَكَاءَ لِلَّهِ.

وَالْمَوْصُولُ وَالصِّلَةُ فِي قَوْلِهِ: الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى الْخَطَأِ فِي تِلْكَ الدَّعْوَةِ كَقَوْلِ عَبْدَةَ بْنِ الطَّبِيبِ: