بِتَشْدِيدِ الصَّادِ مَكْسُورَةً عَلَى اعْتِبَارِ التَّاءِ الْمُبْدَلَةِ صَادًا وَالْمُسَكَّنَةِ لِأَجْلِ الْإِدْغَامِ، أُلْقِيَتْ حَرَكَتُهَا عَلَى الْخَاءِ الَّتِي كَانَتْ سَاكِنَةً. وَقَرَأَهُ قَالُونَ عَنْ نَافِعٍ وَأَبُو عَمْرٍو فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ بِسُكُونِ الْخَاءِ سُكُونًا مُخْتَلَسًا (بِالْفَتْحِ) لِأَجْلِ التَّخَلُّصِ مِنَ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَبِكَسْرِ الصَّادِ مُشَدَّدَةً. وَقَرَأَهُ عَاصِمٌ وَالْكِسَائِيُّ وَابْنُ ذَكْوَانَ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ وَخلف يَخِصِّمُونَ بِكَسْر الْخَاءِ وَكَسْرُ الصَّادِ مُشَدَّدَةً. وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ يَخِصِّمُونَ بِسُكُونِ الْخَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ مُخَفَّفَةً مُضَارِعُ (خَصَمَ) قِيلَ بِمَعْنَى جَادَلَ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر يَخِصِّمُونَ بِإِسْكَان الْخَاءِ وَبِكَسْرِ الصَّادِ مُشَدِّدَةً عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ السَّاكِنَيْنِ.
وَالِاخْتِصَامُ: اخْتِصَامُهُمْ فِي الْخُرُوجِ إِلَى بَدْرٍ أَوْ فِي تَعْيِينِ مَنْ يَخْرُجُ لِمَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ مُفَاجَآتٍ لَهُمْ وَهُمْ يَخْتَصِمُونَ بَيْنَ مُصَدِّقٍ وَمُكَذِّبٍ لِلنَّذِيرِ. وَإِسْنَادُ الْأَخْذِ إِلَى الصَّيْحَةِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ لِأَنَّ الصَّيْحَةَ وَقْتُ الْأَخْذِ وَإِنَّمَا تَأْخُذُهُمْ سُيُوفُ الْمُسْلِمِينَ. وَتَقْدِيمُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْمُسْنَدِ الْفِعْلِيِّ فِي قَوْلِهِ: وَهُمْ يَخِصِّمُونَ لِإِفَادَةِ تَقَوِّي الْحُكْمِ وَهُوَ أَنَّ الصَّيْحَةَ تَأْخُذُهُمْ.
وَفُرِّعَ عَلَى تَأْخُذُهُمْ جُمْلَةُ فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً أَيْ لَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ تَوْصِيَةٍ عَلَى أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْمُحْتَضَرِ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الصَّيْحَةِ صَيْحَةَ الْوَاقِعَةِ كَانَ قَوْلُهُ: فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً كِنَايَةً عَنْ شِدَّةِ السُّرْعَةِ بَيْنَ الصَّيْحَةِ وَهَلَاكِهِمْ، إِذْ لَا يَكُونُ الْمُرَادُ مَدْلُولَهُ الصَّرِيحَ لِأَنَّهُمْ لَا يَتْرُكُونَ غَيْرَهُمْ بَعْدَهُمْ إِذِ الْهَلَاكُ
يَأْتِي عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ.
وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الصَّيْحَةِ صَيْحَةَ الْقِتَالِ كَانَ الْمَعْنَى: أَنَّهُمْ يَفْزَعُونَ إِلَى مَوَاقِعِ الْقِتَالِ يَوْمَ بَدْرٍ، أَوْ إِلَى تَرَقُّبِ وُصُولِ جَيْشِ الْفَتْحِ يَوْمَ الْفَتْح فَلَا يتمكنون مِنَ الْحَدِيثِ مَعَ مَنْ يُوصُونَهُ بِأَهْلِيهِمْ.
وَالتَّوْصِيَةُ: مَصْدَرُ وَصَّى الْمُضَاعَفِ وَتَنْكِيرُهَا لِلتَّقْلِيلِ، أَيْ لَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً مَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute