للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمَعِدَةِ فَتَقْبَلُ زِيَادَةَ الطَّعَامِ وَلِذَلِكَ كَانَ الِاتِّكَاءُ فِي الطَّعَامِ مَكْرُوهًا لِلْإِفْرَاطِ فِي الرَّفَاهِيَةِ. وَأَمَّا الِاتِّكَاءُ فِي غَيْرِ حَالِ الْأَكْلِ فَقَدِ اتَّكَأَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَافِدِ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ: أَنَّهُ دَخْلَ الْمَسْجِدَ فَسَأَلَ عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ: «هُوَ ذَلِكَ الْأَزْهَرُ الْمُتَّكِئُ» .

وَالْفَاكِهَةُ: مَا يُؤْكَلُ لِلتَّلَذُّذِ لَا لِلشِّبَعِ كَالثِّمَارِ وَالنُّقُولِ وَإِنَّمَا خُصَّتْ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا عَزِيزَةُ النَّوَالِ لِلنَّاسِ فِي الدُّنْيَا وَلِأَنَّهَا اسْتَجْلَبَهَا ذِكْرُ الِاتِّكَاءِ لِأَنَّ شَأْنَ الْمُتَّكِئِينَ أَنْ يَشْتَغِلُوا بِتَنَاوُلِ الْفَوَاكِهِ.

ثُمَّ عَمَّمَ مَا أُعِدَّ لَهُمْ بِقَوْلِهِ: وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ ويَدَّعُونَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَصَرِّفًا مِنَ الدُّعَاءِ أَوْ مِنَ الِادِّعَاءِ، أَيْ مَا يَدَّعُونَ إِلَيْهِ أَوْ مَا يَدَّعُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُ لَهُمْ بِإِلْهَامٍ إِلَهِيٍّ. وَصِيغَ لَهُ وَزْنُ الِافْتِعَالِ لِلْمُبَالَغَةِ، فَوَزْنُ يَدَّعُونَ يَفْتَعِلُونَ. أَصْلُهُ يَدْتَعْيُونَ نُقِلَتْ حَرَكَةُ الْيَاءِ إِلَى الْعَيْنِ طَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ لِأَنَّ الضَّمَّ عَلَى الْيَاءِ ثَقِيلٌ بَعْدَ حَذْفِ حَرَكَةِ الْعَيْنِ فَبَقِيَتِ الْيَاءُ سَاكِنَةً وَبَعْدَهَا وَاوُ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُ مُفِيدُ مَعْنَى الْإِسْنَادِ إِلَى الْجَمْعِ.

وَهَذَا الِافْتِعَالُ لَكَ أَنْ تَجْعَلَهُ مِنْ (دَعَا) ، وَالِافْتِعَالُ هُنَا يَجْعَلُ فِعْلَ (دَعَا) قَاصِرًا فَيَنْبَغِي تَعْلِيقُ مَجْرُورٍ بِهِ. وَالتَّقْدِيرُ: مَا يَدْعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ، كَقَوْلِ لَبِيَدٍ:

فَاشْتَوَى لَيْلَةَ رِيحٍ وَاجْتَمَلْ (١) اشْتَوَى إِذَا شَوَى لِنَفْسِهِ وَاجْتَمَلَ إِذَا جَمُلَ لِنَفْسِهِ، أَيْ جَمْعَ الْجَمِيلَ وَهُوَ الشَّحْمُ الْمُذَابُ وَهُوَ الْإِهَالَةُ.

وَإِنْ جَعَلْتَهُ مِنَ الِادِّعَاءِ فَمَعْنَاهُ: أَنَّهُمْ يَدَّعُونَ ذَلِكَ حَقًّا لَهُمْ، أَيْ تَتَحَدَّثُ أَنْفُسُهُمْ بِذَلِكَ فَيَؤُولُ إِلَى مَعْنَى: وَيَتَمَنَّوْنَ فِي أَنْفُسِهِمْ دُونَ احْتِيَاجٍ إِلَى أَنْ يَسْأَلُوا


(١) قبله:
وَغُلَام أَرْسلتهُ أمه ... بألوك فبذلنا مَا سَأَلَ

أَرْسلتهُ فَأَتَاهُ رزقه ... ............... .... إِلَخ