للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْكَوَارِثِ وَلَا يُظَنُّ بِهِ الْإِيقَاعُ فِي ذَلِكَ عَنْ غَيْرِ بَصِيرَة لِأَن تكَرر أَمْثَالِ تِلْكَ الْوَسَاوِسِ لِلْمَرْءِ وَلِأَمْثَالِهِ مِمَّنْ يَبُوحُ لَهُ بِأَحْوَالِهِ يَدُلُّ ذَلِكَ التَّكَرُّرُ عَلَى أَنَّهَا وَسَاوِسُ مَقْصُودَةٌ لِلْإِيقَاعِ فِي الْمَهَالِكِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُشِيرَ بِهَا عَدُوٌّ أَلَدُّ، وَلَعَلَّ هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ.

وَجُمْلَةُ وَأَنِ اعْبُدُونِي عَطْفٌ عَلَى أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ بِإِعَادَةِ أَنِ التَّفْسِيرِيَّةِ فَهُمَا جُمْلَتَانِ مُفَسِّرَتَانِ لِعَهْدَيْنِ.

وَعُدِلَ عَنِ الْإِتْيَانِ بِصِيغَةِ قَصْرٍ لِأَنَّ فِي الْإِتْيَانِ بِهَاتَيْنِ الْجُمْلَتَيْنِ زِيَادَةَ فَائِدَةٍ لِأَنَّ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالَةِ الدَّهْرِيِّينَ وَالْمُعَطِّلِينَ فَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوا اللَّهَ فَكَانُوا خَاسِئِينَ بِالْعَهْدِ.

وَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ: هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ لِلْعَهْدِ الْمَفْهُومِ مِنْ فِعْلِ أَعْهَدْ أَوْ لِلْمَذْكُورِ فِي «تَفْسِيرِهِ» مِنْ جُمْلَتَيْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ وَأَنِ اعْبُدُونِي، أَيْ هَذَا الْمَذْكُورُ صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ، أَيْ كَالطَّرِيقِ الْقَوِيمِ فِي الْإِبْلَاغِ إِلَى الْمَقْصُودِ. وَالتَّنْوِينُ لِلتَّعْظِيمِ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً عَطْفٌ عَلَى إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ فَعَدَاوَتُهُ وَاضِحَةٌ بِدَلِيلِ التَّجْرِبَةِ فَكَانَتْ عِلَّةً لِلنَّهْيِ عَنْ عِبَادَةِ مَا يَأْمُرُهُمْ بِعِبَادَتِهِمْ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّ عَدَاوَتَهُ وَاضِحَةٌ وُضُوحَ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ لِأَنَّهَا تَقَرَّرَتْ بَيْنَ النَّاسِ وَشَهِدَتْ بِهَا الْعُصُورُ وَالْأَجْيَالُ فَإِنَّهُ لَمْ يَزَلْ يُضِلُّ النَّاسَ إِضْلَالًا تَوَاتَرَ أَمْرُهُ وَتَعَذَّرَ إِنْكَارُهُ.

وَالْجِبِلُّ: بِكَسْرِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْمُوَحِّدَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ كَمَا قَرَأَهُ نَافِعٌ وَعَاصِمٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ. وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ وَرُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ. وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْبَاءِ.

وَالْجِبِلُّ: الْجَمْعُ الْعَظِيمُ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْجَبْلِ بِسُكُونِ الْبَاءِ بِمَعْنَى الْخَلْقِ.