للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَضَمَائِرُ الْغَيْبَةِ فِي أَفْواهِهِمْ- أَيْدِيهِمْ- أَرْجُلُهُمْ- يَكْسِبُونَ عَائِدَةٌ عَلَى الَّذِينَ خُوطِبُوا بِقَوْلِهِ: هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [يس: ٦٣] عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ. وَأَصْلُ النَّظْمِ: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِكُمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيكُمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ.

وَمُوَاجَهَتُهُمْ بِهَذَا الْإِعْلَامِ تَأْيِيسٌ لَهُمْ بِأَنَّهُم لَا يَنْفَعهُمْ إِنْكَارُ مَا اطَّلَعُوا عَلَيْهِ مِنْ صَحَائِفِ أَعْمَالِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الْإِسْرَاء: ١٤] .

وَقَدْ طُوِيَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا وَرَدَ تَفْصِيلُهُ فِي آيٍ أُخَرَ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الْأَنْعَام: ٢٢- ٢٣] وَقَالَ: وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ [يُونُس: ٢٨- ٢٩] .

وَفِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» عَنْ أَنَسٍ قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُخَاطِبُ الْعَبْدُ رَبَّهُ يَقُولُ: يَا رَبِّ أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلم؟ فَيَقُول: بلَى، فَيَقُولُ: إِنِّي لَا أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلَّا شَاهِدًا مِنِّي، فَيَقُولُ اللَّهُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا، فَيَخْتِمُ عَلَى فِيهِ. فَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ: انْطِقِي، فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ» ، وَإِنَّمَا طُوِيَ ذِكْرُ الدَّاعِي إِلَى خِطَابِهِمْ بِهَذَا الْكَلَامِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ غَرَضٌ هُنَا فَاقْتَصَرَ عَلَى الْمَقْصُودِ.

وَقَدْ يُخَيَّلُ تَعَارُضٌ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ [النُّور: ٢٤] . وَلَا تَعَارُضَ لِأَنَّ آيَةَ يس فِي أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ وَآيَةَ سُورَةِ النُّورِ فِي أَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ. وَالْمُرَادُ بِتَكَلُّمِ الْأَيْدِي تَكَلُّمُهَا بِالشَّهَادَةِ، وَالْمُرَادُ بِشَهَادَةِ الْأَرْجُلِ نُطْقُهَا بِالشَّهَادَةِ، فَفِي كِلْتَا الْجُمْلَتَيْنِ احْتِبَاكٌ. وَالتَّقْدِيرُ: وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ فَتَشْهَدُ وَتُكَلِّمُنَا أَرْجُلُهُمْ فَتَشْهَدُ.

وَيَتَعَلَّقُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ بِكُلٍّ مِنْ فِعْلَيْ تُكَلِّمُنا وتَشْهَدُ عَلَى وَجْهِ التَّنَازُعِ.

وَمَا يَكْسِبُونَهُ: هُوَ الشِّرْكُ وَفُرُوعُهُ. وَتَكْذِيبُهُمُ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا أَلْحَقُوا بِهِ من الْأَذَى.