فَيُقَالُ لَهُمْ مِنْ قَبْلِ النَّظَرِ فِيمَا أَوْرَدُوهُ: هَلْ حَرَّفُوا بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ حَرَكَةً أَوْ حَرْفًا أَمْ
لَا. وَقَبْلَ أَنْ نَنْظُرَ هَلْ رَاعَوْا أَحْكَامَ عِلْمِ الْعَرُوضِ فِي الْأَعَارِيضِ وَالضُّرُوبِ الَّتِي سَبَقَ ذِكْرُهَا أَمْ لَا. وَمِنْ قَبْلِ أَنْ نَنْظُرَ هَلْ عَمِلُوا بِالْمَنْصُورِ مِنَ الْمَذْهَبَيْنِ فِي مَعْنَى الشِّعْرِ عَلَى نَحْوِ مَا سَبَقَ أَمْ لَا (يَعْنِي الْمَذْهَبَيْنِ مَذْهَبَ الَّذِينَ قَالُوا لَا يَكُونُ الشِّعْرُ شِعْرًا إِلَّا إِذَا قَصَدَ قَائِلُهُ أَنْ يَكُونَ مَوْزُونًا، وَمَذْهَبَ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ تَعَمُّدَ الْوَزْنِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بَلْ يَكْفِي أَنْ يُلْفَى مَوْزُونًا وَلَوْ بِدُونِ قَصْدِ قَائِلِهِ لِلْوَزْنِ وَقَدْ نُصِرَ الْمَذْهَبُ الْأَوَّلِ) يَا سُبْحَانَ اللَّهِ قَدَّرُوا جَمِيعَ ذَلِكَ أَشْعَارًا، أَلَيْسَ يَصِحُّ بِحُكْمِ التَّغْلِيبِ أَنْ لَا يُلْتَفَتَ إِلَى مَا أَوْرَدْتُمُوهُ لِقِلَّتِهِ، وَيُجْرَى ذَلِكَ الْقُرْآنُ مَجْرَى الْخَالِي عَنِ الشِّعْرِ فَيُقَالُ بِنَاءً عَلَى مُقْتَضَى الْبَلَاغَةِ: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ اهـ. كَلَامُهُ، وَقَدْ نَحَا بِهِ نَحْوَ أَمْرَيْنِ:
أَحَدِهِمَا: أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْكَلَامِ الْمُتَّزِنِ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ مِنْهُ الْوَزْنَ، فَلَا يَكُونُ شِعْرًا عَلَى رَأْيِ الْأَكْثَرِ مِنِ اشْتِرَاطِ الْقَصْدِ إِلَى الْوَزْنِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَعْبَأْ بِاتِّزَانِهِ.
الثَّانِي: إِنْ سَلَّمْنَا عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْقَصْدِ فَإِنَّ نَفْيَ كَوْنِ الْقُرْآنِ شِعْرًا جَرَى عَلَى الْغَالِبِ.
فَلَا يُعَدُّ قَائِلُهُ كَاذِبًا وَلَا جَاهِلًا فَلَا يُنَافِي الْيَقِينَ بِأَنَّ الْقُرْآنَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَلَّمَهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي «أَحْكَامِ الْقُرْآنِ» إِلَى أَنَّ مَا تَكَلَّفُوهُ مِنِ اسْتِخْرَاجِ فِقْرَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى مَوَازِينَ شِعْرِيَّةٍ لَا يَسْتَقِيمُ إِلَّا بِأَحَدِ أُمُورٍ مِثْلِ بَتْرِ الْكَلَامِ أَوْ زِيَادَةِ سَاكِنٍ أَوْ نَقْصِ حَرْفٍ أَوْ حَرْفَيْنِ، وَذَكَرَ أَمْثِلَةً لِذَلِكَ فِي بَعْضِهَا مَا لَا يَتِمُّ لَهُ فَرَاجِعْهُ.
وَلَا مَحِيصَ مِنَ الِاعْتِرَافِ بِاشْتِمَالِ الْقُرْآنِ عَلَى فِقْرَاتٍ مُتَّزِنَةٍ يَلْتَئِمُ مِنْهَا بَيْتٌ أَوْ مِصْرَاعٌ، فَأَمَّا مَا يَقِلُّ عَنْ بَيْتٍ فَهُوَ كَالْعَدَمِ إِذْ لَا يَكُونُ الشِّعْرُ أَقَلَّ مِنْ بَيَّتٍ، وَلَا فَائِدَة فِي الاستكثار مِنْ جَلْبِ مَا يُلْفَى مُتَّزِنًا فَإِنَّ وُقُوعَ مَا يُسَاوِي بَيْتًا تَامًّا مِنْ بَحْرٍ مِنْ بُحُورِ الشِّعْرِ الْعَرَبِيِّ وَلَوْ نَادِرًا أَوْ مُزْحَفًا أَوْ مُعَلًّا كَافٍ فِي بَقَاءِ الْإِشْكَالِ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى مَا سَلَكَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي رَدِّهِ وَلَا كِفَايَةَ لِمَا سَلَكَهُ السَّكَّاكِيُّ فِي كِتَابِهِ، لِأَنَّ الْمَرْدُودَ عَلَيْهِمْ فِي سَعَةٍ مِنَ الْأَخْذِ بِمَا يُلَائِمُ نِحْلَتَهُمْ مِنْ أَضْعَفِ الْمَذَاهِبِ فِي حَقِيقَةِ الشِّعْرِ وَفِي زِحَافِهِ وَعِلَلِهِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْبَاقِلَّانِيَّ وَالسَّكَّاكِيَّ لَمْ يَغُوصَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute