للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَنْ يَكُونَ قُرْآنَهُ شِعْرًا لِيَتَّضِحَ بُهْتَانُهُمْ عِنْدَ مَنْ لَهُ أَدْنَى مُسْكَةٍ مِنْ تَمْيِيزٍ لِلْكَلَامِ وَكَثِيرٌ مَا هُمْ بَيْنَ الْعَرَبِ رِجَالِهِمْ وَكَثِيرٌ مِنْ نِسَائِهِمْ غَيْرَ زَوْجِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ وَنَظِيرَاتِهَا، وَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ.

وَضَمِيرُ يَنْبَغِي عَائِدٌ إِلَى الشِّعْرِ، وَضَمِيرُ لَهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إِلَى مَا عَادَ إِلَيْهِ ضَمِيرُ الْغَائِبِ فِي قَوْلِهِ: عَلَّمْناهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَجَوَّزَ ابْنُ عَطِيَّةَ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْقُرْآنِ الَّذِي يَتَضَمَّنُهُ فِعْلُ عَلَّمْناهُ فَجَعَلَ جُمْلَةَ وَما يَنْبَغِي لَهُ بِمَنْزِلَةِ التَّعْلِيلِ لِجُمْلَةِ وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ.

وَمَعْنَى وَما يَنْبَغِي لَهُ مَا يَتَأَتَّى لَهُ الشِّعْرُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً [مَرْيَم: ٩٢] تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ، وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا عِنْدَ قَوْلِهِ: لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ [يس: ٤٠] . فَأَصْلُ مَعْنَى يَنْبَغِي يَسْتَجِيبُ لِلْبَغْيِ، أَي الطّلب، وَهُوَ يشْعر بِالطَّلَبِ الْمُلِحِّ. ثُمَّ غَلَبَ فِي مَعْنَى يَتَأَتَّى وَيَسْتَقِيمُ فَتُنُوسِيَ مِنْهُ مَعْنَى الْمُطَاوَعَةِ وَصَارَ يَنْبَغِي بِمَعْنَى يَتَأَتَّى يُقَالُ: لَا يَنْبَغِي كَذَا، أَيْ لَا يَتَأَتَّى. قَالَ الطِّيبِيُّ:

رُوِيَ عَنِ الزَّمَخْشَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي «كِتَابِ سِيبَوَيْهِ» «كُلُّ فِعْلٍ فِيهِ عِلَاجٌ يَأْتِي مُطَاوَعَهً عَلَى

الِانْفِعَالِ: كَضَرَبَ وَطَلَبَ وَعَلِمَ، وَمَا لَيْسَ فِيهِ عِلَاجٌ: كَعَدِمَ وَفَقَدَ لَا يَأْتِي فِي مُطَاوِعِهِ الِانْفِعَالُ أَلْبَتَّةَ» اهـ.

وَمَعْنَى كَوْنِ الشِّعْرِ لَا يَنْبَغِي لَهُ: أَنَّ قَوْلَ الشِّعْرِ لَا يَنْبَغِي لَهُ لِأَنَّ الشِّعْرَ صِنْفٌ مِنَ الْقَوْلِ لَهُ مَوَازِينُ وَقَوَافٍ، فَالنَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَزَّهٌ عَنْ قَرْضِ الشِّعْرِ وَتَأْلِيفِهِ، أَيْ لَيْسَتْ مِنْ طِبَاعِ مَلَكَتِهِ إِقَامَةُ الْمَوَازِينِ الشِّعْرِيَّةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُنْشِدُ الشِّعْرَ لِأَنَّ إِنْشَادَ الشِّعْرِ غَيْرُ تَعَلُّمِهِ، وَكَمْ مِنْ رَاوِيَةٍ لِلْأَشْعَارِ وَمِنْ نُقَّادٍ لِلشِّعْرِ لَا يَسْتَطِيعُ قَوْلَ الشِّعْرِ وَكَذَلِكَ كَانَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ انْتَقَدَ الشِّعْرَ، وَنَبَّهَ عَلَى بَعْضِ مَزَايَا فِيهِ، وَفَضَّلَ بَعْضِ الشُّعَرَاءِ عَلَى بَعْضٍ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَا يَقْرِضُ شِعْرًا. وَرُبَّمَا أَنْشَدَ الْبَيْتَ فَغَفَلَ عَنْ تَرْتِيبِ كَلِمَاتِهِ فَرُبَّمَا اخْتَلَّ وَزْنُهُ فِي إِنْشَادِهِ (١) وَذَلِكَ مِنْ تَمَامِ الْمُنَافَرَةِ بَيْنَ مَلَكَةِ بَلَاغَتِهِ وَمَلَكَةِ الشُّعَرَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُطَّرِدًا فَرُبَّمَا أَنْشَدَ الْبَيْتَ مَوْزُونًا.


(١) كَمَا أنْشد بَيت عَبَّاس بن مرداس:
أَتجْعَلُ نَهْبي وَنهب العبي ... د بَين عُيَيْنَة والأقرع
فَقَالَ: بَين الْأَقْرَع وعيينة، وَكَذَلِكَ أنْشد مرّة مصراع طرفَة:
ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد فَقَالَ: «ويأتيك من لم تزَود بالأخبار» .
وَرُبمَا أنْشد الْبَيْت دون تَغْيِير كَمَا أنْشد بَيت ابْن رَوَاحَة:
يبيت يُجَافِي جنبه عَن فرَاشه ... إِذا استثقلت بالمشركين الْمضَاجِع
وَأنْشد بَيت عنترة:
وَلَقَد أَبيت على الطوى وأظله ... كَيْمَا أنال بِهِ شهيّ الْمطعم