للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَيَانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ فِي سُورَةِ يُونُسَ [٦١] .

وَالْمُبِينُ: هُوَ الَّذِي أَبَانَ الْمُرَادَ بِفَصَاحَةٍ وَبَلَاغَةٍ.

وَيَتَعَلَّقُ قَوْلُهُ: لِتُنْذِرَ بِقَوْلِهِ: عَلَّمْناهُ بِاعْتِبَارِ مَا اتَّصَلَ بِهِ مِنْ نَفْيِ كَوْنِهِ شِعْرًا ثُمَّ إِثْبَاتِ كَوْنِهِ ذِكْرًا وَقُرْآنًا، أَيْ لِأَنَّ جُمْلَةَ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ بَيَانٌ لِمَا قَبْلَهَا فِي قُوَّةِ أَنْ لَوْ قِيلَ: وَمَا عَلَّمْنَاهُ إِلَّا ذِكْرًا وَقُرْآنًا مُبِينًا لِيُنْذِرَ أَوْ لِتُنْذِرَ. وَجَعَلَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ مُتَعَلِّقًا بِ مُبِينٌ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ لِتُنْذِرَ بِتَاءِ الْخِطَابِ عَلَى الِالْتِفَاتِ مِنْ ضَمِيرِ الْغَيْبَةِ فِي قَوْلِهِ: عَلَّمْناهُ إِلَى ضَمِيرِ الْخِطَابِ. وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِيَاءِ الْغَائِب، أَي لينذر النَّبِيءِ الَّذِي عَلَّمْنَاهُ.

وَالْإِنْذَارُ: الْإِعْلَامُ بِأَمْرٍ يَجِبُ التَّوَقِّي مِنْهُ.

وَالْحَيُّ: مُسْتَعَارٌ لِكَامِلِ الْعَقْلِ وَصَائِبِ الْإِدْرَاكِ، وَهَذَا تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ، أَيْ مَنْ كَانَ مِثْلَ الْحَيِّ فِي الْفَهْمِ.

وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ: التَّعْرِيضُ بِالْمُعْرِضِينَ عَنْ دَلَائِلِ الْقُرْآنِ بِأَنَّهُمْ كَالْأَمْوَاتِ لَا انْتِفَاعَ لَهُمْ بِعُقُولِهِمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ [النَّمْل: ٨٠] .

وَعَطَفَ وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ عَلَى لِتُنْذِرَ عَطْفَ الْمَجَازِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ اللَّامَ النَّائِبَ عَنْهُ وَاوُ الْعَطْفِ لَيْسَ لَامَ تَعْلِيلٍ وَلَكِنَّهُ لَامُ عَاقِبَةٍ كَاللَّامِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً [الْقَصَص: ٨] . فَفِي الْوَاوِ اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ، وَهَذَا قَرِيبٌ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ. وَفِي هَذِهِ الْعَاقِبَةِ احْتِبَاكٌ إِذِ التَّقْدِيرُ: لِتُنْذِرَ مَنْ كَانَ

حَيًّا فَيَزْدَادَ حَيَاةً بِامْتِثَالِ الذِّكْرِ فَيَفُوزَ وَمَنْ كَانَ مَيِّتًا فَلَا يَنْتَفِعُ بِالْإِنْذَارِ فَيَحِقَّ عَلَيْهِ الْقَوْلُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي أَوَّلِ السُّورَةِ إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ [يس: ١١] ، فَجَمَعَ لَهُ بَيْنَ الْإِنْذَارِ ابْتِدَاءً وَالْبِشَارَةِ آخِرًا.

والْقَوْلُ: هُوَ الْكَلَامُ الَّذِي جَاءَ بِوَعِيدِ مَنْ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِإِنْذَارِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.