للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَالتَّعْرِيفُ فِي الْإِنْسانُ تَعْرِيفُ الْعَهْدِ وَهُوَ الْإِنْسَانُ الْمُعَيَّنُ الْمَعْرُوفُ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ يَوْمَئِذٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ [٦٦] أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا نَزَلَ فِي أَحَدِ هَؤُلَاءِ، وَذُكِرَ مَعَهُمُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةَ. وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ فِي سُورَةِ الْقِيَامَةِ [٣] .

وَوَجْهُ حَمْلِ التَّعْرِيفِ هُنَا عَلَى التَّعْرِيفِ الْعَهْدِيِّ أَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ حَمْلُهَا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ جَعْلَهُ لِلْجِنْسِ يَقْتَضِي أَنَّ جِنْسَ الْإِنْسَانِ يُنْكِرُونَ الْبَعْثَ، كَيْفَ وَفِيهِمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَهْلُ الْمِلَلِ، وَحَمْلُهَا عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ أَبْعَدُ إِلَّا أَنْ يُرَادَ الِاسْتِغْرَاقُ الْعُرْفِيُّ وَلَيْسَ مِثْلُ هَذَا الْمَقَامِ مِنْ مَوَاقِعِهِ. فَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ النَّحْلِ [٤] : خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ فَهُوَ تَعْرِيفُ الِاسْتِغْرَاقِ، أَيْ خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ الِاسْتِغْرَاقِ الْحَقِيقِيِّ.

وَالْمُرَادُ بِ خَصِيمٌ فِي تِلْكَ الْآيَةِ: أَنَّهُ شَدِيدُ الشَّكِيمَةِ بَعْدَ أَنْ كَانَ أَصْلُهُ نُطْفَةً، فَالْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ [يس: ٧١] الْآيَةَ. وَالِاسْتِفْهَامُ كَالِاسْتِفْهَامِ فِي الْجُمْلَة الْمَعْطُوف عَلَيْهَا. وَالرُّؤْيَةُ هُنَا قَلْبِيَّةٌ. وَجُمْلَةُ أَنَّا خَلَقْناهُ سَادَّةٌ مَسَدَّ الْمَفْعُولَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً [يس: ٧١] .

وَ «إِذَا» لِلْمُفَاجَأَةِ. وَوَجْهُ الْمُفَاجَأَةِ أَنَّ ذَلِكَ الْإِنْسَانَ خُلِقَ لِيَعْبُدَ اللَّهَ وَيَعْلَمَ مَا يَلِيقُ بِهِ فَإِذَا لَمْ يَجْرِ عَلَى ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ فَاجَأَ بِمَا لَمْ يَكُنْ مُتَرَقَّبًا مِنْهُ مَعَ إِفَادَةِ أَنَّ الْخُصُومَة فِي شؤون الْإِلَهِيَّةِ كَانَتْ بِمَا بَادَرَ بِهِ حِينَ عَقَلَ.

وَالْخَصِيمُ فَعِيلٌ مُبَالَغَةً فِي مَعْنَى مُفَاعِلٍ، أَيْ مُخَاصِمٌ شَدِيدُ الْخِصَامِ.

وَالْمُبِينُ: مِنْ أَبَانَ بِمَعْنَى بَانَ، أَيْ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ.

وَضَرْبُ الْمَثَلِ: إِيجَادُهُ، كَمَا يُقَالُ: ضَرَبَ خَيْمَةً، وَضَرَبَ دِينَارًا، وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٦] .

وَالْمَثَلُ: تَمْثِيلُ الْحَالَةِ، فَالْمَعْنَى: وَأَظْهَرَ لِلنَّاسِ وَأَتَى لَهُمْ بِتَشْبِيهِ حَالِ قُدْرَتِنَا بِحَالِ عَجْزِ النَّاسِ إِذْ أَحَالَ إِحْيَاءُنَا الْعِظَامَ بَعْدَ أَنْ أَرَمَّتْ فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: