فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تُغْرُونَنَا بِقُوَّةٍ مِنْكُمْ، وَمِنَ الْمَعَانِي الَّتِي تَحْتَمِلُهَا الْآيَةُ أَنْ يُرِيدُوا: تَأْتُونَنَا مِنَ الْجِهَةِ الَّتِي يُحْسِنُهَا تَمْوِيهُكُمْ وَإِغْوَاؤُكُمْ وَتُظْهِرُونَ فِيهَا أَنَّهَا جِهَةُ الرُّشْدِ (وَهُوَ عَنِ الزَّجَّاجِ وَالْجُبَّائِيِّ) وَمِمَّا تَحْتَمِلُهُ الْآيَةُ أَنْ يُرِيدُوا:
إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا، أَيْ تَقْطَعُونَ بِنَا عَنْ أَخْبَارِ الْخَيْرِ وَالْيُمْنِ، فَعَبَّرُوا عَنْهَا بِالْيَمِينِ، وَمِنَ الْمَعَانِي أَنْ يُرِيدُوا: أَنَّكُمْ تَجِيئُونَ مِنْ جِهَةِ الشَّهَوَاتِ وَعَدَمِ النَّظَرِ لِأَنَّ جِهَةَ يَمِينِ الْإِنْسَانِ فِيهَا كَبِدُهُ وَجِهَةَ شَمَالِهِ فِيهَا قَلْبُهُ وَأَنَّ نَظَرَ الْإِنْسَانِ فِي قَلْبِهِ وَقِيلَ: تحلفون لنا ا. هـ.
وَجَوَابُ الزُّعَمَاءِ بِقَوْلِهِمْ: بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ إِضْرَابُ إِبْطَالٍ لِزَعْمِ الْأَتْبَاعِ أَنَّهُمُ الَّذِينَ صَدُّوهُمْ عَنْ طَرِيقِ الْخَيْرِ أَيْ بَلْ هُمْ لَمْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَقْبَلُ الْإِيمَانَ لِأَنَّ تَسْلِيطَ النَّفْيِ عَلَى فِعْلِ الْكَوْنِ دُونَ أَنْ يُقَالَ: بَلْ لَمْ تُؤْمِنُوا، مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْإِيمَانَ لَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِهِمْ، أَيْ بَلْ كُنْتُمْ أَنْتُمُ الْآبِينَ قَبُولَ الْإِيمَانِ. وَمَا كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ أَيْ مِنْ قَهْرٍ وَغَلَبَةٍ حَتَّى نُكْرِهَكُمْ عَلَى رَفْضِ الْإِيمَانِ، وَلِذَلِكَ أَكَّدُوا هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِمْ: بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ، أَيْ كَانَ الطُّغْيَانُ وَهُوَ التَّكَبُّرُ عَنْ قَبُولِ دَعْوَةِ رَجُلٍ مِنْكُمْ شَأْنَكُمْ وَسَجِيَّتَكُمْ، فَلِذَلِكَ أَقْحَمُوا لَفْظَ قَوْماً بَيْنَ «كَانَ» وَخَبَرِهَا لِأَنَّ اسْتِحْضَارَهُمْ بِعُنْوَانِ الْقَوْمِيَّةِ فِي الطُّغْيَانِ يُؤْذِنُ بِأَنَّ الطُّغْيَانَ مِنْ مُقَوِّمَاتِ قَوْمِيَّتِهِمْ كَمَا قَدَّمْنَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٦٤] .
وَفَرَّعُوا عَلَى كَلَامِهِمُ اعْتِرَافَهَمْ بِأَنَّهُمْ جَمِيعًا اسْتَحَقُّوا الْعَذَابَ فَقَوْلُهُمْ: فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ، تَفْرِيعُ الِاعْتِرَاضِ، أَيْ كَانَ أَمْرُ رَبِّنَا بِإِذَاقَتِنَا عَذَابَ جَهَنَّمَ حَقًّا.
وَفِعْلُ «حَقَّ» بِمَعْنَى ثَبَتَ.
وَجُمْلَةُ إِنَّا لَذائِقُونَ بَيَانٌ لِ قَوْلُ رَبِّنا. وَحُكِيَ الْقَوْلُ بِالْمَعْنَى عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ وَلَوْلَا الِالْتِفَاتُ لَقَالَ: إِنَّكُمْ لَذَائِقُونَ أَوْ إِنَّهُمْ لَذَائِقُونَ. وَنُكْتَةُ الِالْتِفَاتِ زِيَادَةُ التَّنْصِيصِ عَلَى الْمَعْنِيِّ بِذَوْقِ الْعَذَابِ.
وَحُذِفَ مَفْعُولُ «ذَائِقُونَ» لِدَلَالَةِ الْمَقَامِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَمْرُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاهْدُوهُمْ إِلى
صِراطِ الْجَحِيمِ
[الصافات: ٢٣] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute