للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِرَادَةُ الشَّيْءِ: ابْتِغَاؤُهُ وَالْعَزْمُ عَلَى حُصُولِهِ، وَحَقُّ فِعْلِهَا أَنْ يَتَعَدَّى إِلَى الْمَعَانِي قَالَ ابْنُ الدُّمَيْنَةِ:

تُرِيدِينَ قَتْلِي قَدْ ظَفِرْتِ بِذَلِكَ

فَإِذَا عُدِّيَ إِلَى الذَّوَاتِ كَانَ عَلَى مَعْنَى يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الذَّوَاتِ كَقَوْلِ عَمْرِو بْنِ شَاسٍ الْأَسَدِيِّ:

أَرَادَتْ عِرَارًا بِالْهَوَانِ وَمَنْ يُرِدْ ... عِرَارًا لَعَمْرِي بِالْهَوَانِ فَقَدْ ظَلَمَ

فَلِذَلِكَ كَانَتْ تَعْدِيَةُ فِعْلِ تُرِيدُونَ إِلَى آلِهَةً عَلَى مَعْنَى: تُرِيدُونَهَا بِالْعِبَادَةِ أَوْ بِالتَّأْلِيهِ، فَكَانَ مَعْنَى آلِهَةً دَلِيلًا عَلَى جَانِبِ إِرَادَتِهَا.

فَانْتَصَبَ آلِهَةً عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ وَقَدَّمَ الْمَفْعُولَ عَلَى الْفِعْلِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ وَلِأَنَّ فِيهِ دَلِيلًا عَلَى جِهَةِ تَجَاوُزِ مَعْنَى الْفِعْلِ لِلْمَفْعُولِ.

وَانْتَصَبَ إِفْكاً عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ تُرِيدُونَ أَيْ آفِكِينَ. وَالْإِفْكُ: الْكَذِبُ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ آلِهَةٍ، أَيْ آلِهَةٍ مَكْذُوبَةٍ، أَيْ مَكْذُوبٌ تَأْلِيهُهَا. وَالْوَصْفُ بِالْمَصْدَرِ صَالِحٌ لِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْفَاعِلِ أَوْ مَعْنَى الْمَفْعُولِ. وَقُدِّمَتِ الْحَالُ عَلَى صَاحِبِهَا لِلِاهْتِمَامِ بِالتَّعْجِيلِ بِالتَّعْبِيرِ عَنْ كَذِبِهِمْ وَضَلَالِهِمْ.

وَقَوْلُهُ: دُونَ اللَّهِ أَيْ خِلَافَ اللَّهِ وَغَيْرَهُ، وَهَذَا صَالِحٌ لِاعْتِبَارِ قَوْمِهِ عَبَدَةَ أَوْثَانٍ غَيْرَ مُعْتَرِفِينَ بِإِلَهٍ غَيْرِ أَصْنَامِهِمْ، وَلِاعْتِبَارِهِمْ مُشْرِكِينَ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى مِثْلَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَرَبِ لِأَنَّ الْعَرَبَ بَقِيَتْ فِيهِمْ أَثَارَةٌ مِنَ الْحَنِيفِيَّةِ فَلَمْ يَنْسَوْا وَصْفَ اللَّهِ بِالْإِلَهِيَّةِ وَكَانَ قَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَهُمُ الْكِلْدَانُ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ نَظِيرَ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْيُونَانُ وَالْقِبْطُ.

وَفَرَّعَ عَلَى اسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِ اسْتِفْهَامٌ آخَرُ وَهُوَ قَوْلُهُ: فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ أُرِيدَ بِهِ الْإِنْكَارُ وَالتَّوْقِيفُ عَلَى الْخَطَأِ، وَأُرِيدَ بِالظَّنِّ الِاعْتِقَادُ الْخَطَأُ.

وَسُمِّيَ ظَنًّا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ وَلَمْ يُسَمِّهِ عِلْمًا لِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يُطْلَقُ إِلَّا عَلَى