بِذَبْحِهِ هُوَ الْمُبَشَّرُ بِهِ اسْتِجَابَةً لِدَعْوَتِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الدَّعْوَةِ أَنْ لَا يَكُونَ عَقِيمًا يَرِثُهُ عَبِيدُ بَيْتِهِ كَمَا جَاءَ فِي «سِفْرِ التَّكْوِينِ» وَتَقَدَّمَ آنِفًا.
الدَّلِيلُ الرَّابِعُ: أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بَنَى بَيْتًا لِلَّهِ بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَ بَيْتًا آخَرَ بِنَحْوِ أَرْبَعِينَ سَنَةً كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ شَأْنِ بُيُوتِ الْعِبَادَةِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَنْ تُقَرَّبَ فِيهَا الْقَرَابِينُ فَقُرْبَانُ أَعَزِّ شَيْءٍ عَلَى إِبْرَاهِيمَ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِكَوْنِهِ قُرْبَانًا لِأَشْرَفِ هَيْكَلٍ. وَقَدْ بَقِيَتْ فِي الْعَرَبِ سُنَةُ الْهَدَايَا فِي الْحَجِّ كُلَّ عَامٍ وَمَا تِلْكَ إِلَّا تَذْكِرَةٌ لِأَوَّلِ عَامٍ أُمِرَ فِيهِ إِبْرَاهِيمُ بِذَبْحِ وَلَدِهِ وَأَنَّهُ الْوَلَدُ الَّذِي بِمَكَّةَ.
الدَّلِيلُ الْخَامِسُ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا ابْنَ الذَّبِيحَيْنِ، فَعَلِمَ مُرَادَهَ وَتَبَسَّمَ، وَلَيْسَ فِي آبَاء النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَبِيحٌ غَيْرَ عَبْدِ اللَّهِ وَإِسْمَاعِيلَ.
الدَّلِيلُ السَّادِسُ: مَا وَقَعَ فِي «سِفْرِ التَّكْوِينِ» فِي الْإِصْحَاحِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ أَنَّ اللَّهَ امْتَحَنَ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لَهُ: «خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ الَّذِي تُحِبُّهُ إِسْحَاقَ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرَيَّا وَأَصْعِدْهُ هُنَالِكَ مُحْرَقَةٌ عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَقُولُ لَكَ» إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ. وَلَمْ يَكُنْ إِسْحَاقُ ابْنًا وَحِيدًا لِإِبْرَاهِيمَ فَإِنَّ إِسْمَاعِيلَ وُلِدَ قَبْلَهُ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَلَمْ يَزَلْ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ مُتَوَاصِلَيْنِ وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْإِصْحَاحِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرين من سفر التَّكْوِينِ عِنْدَ ذِكْرِ مَوْتِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «وَدَفَنَهُ إِسْحَاقُ وَإِسْمَاعِيلُ ابْنَاهُ» ، فَإِقْحَامُ اسْمِ إِسْحَاقَ بَعْدَ قَوْلِهِ: ابْنَكَ وَحِيدَكَ، مِنْ زِيَادَةِ كَاتِبِ التَّوْرَاةِ.
الدَّلِيلُ السَّابِعُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : وَيَدُلُّ عَلَيهِ أَنَّ قَرْنَيِ الْكَبْشِ كَانَا مَنُوطَيْنِ فِي الْكَعْبَةَ فِي أَيْدِي بَنِي إِسْمَاعِيلَ إِلَى أَنِ احْتَرَقَ الْبَيْتُ فِي حِصَارِ ابْن الزبير ا. هـ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ كَانَ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ وَأَنَّ رَأْسَ الْكَبْشِ لَمُعَلَّقٌ بِقَرْنَيْهِ مِنْ مِيزَابِ الْكَعْبَةَ وَقَدْ يَبِسَ. قُلْتُ: وَفِي صِحَّةِ كَوْنِ ذَلِكَ الرَّأْسِ رَأْسَ كَبْشِ الْفِدَاءِ
مِنْ زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ نَظَرٌ.
الدَّلِيلُ الثَّامِنُ: أَنَّهُ وَرَدَتْ رِوَايَاتٌ فِي حِكْمَةِ تَشْرِيعِ الرَّمْيِ فِي الْجَمَرَاتِ مِنْ عَهْدِ الْحَنِيفِيَّةِ أَنَّ الشَّيْطَانَ تَعَرَّضَ لِإِبْرَاهِيمَ لِيَصُدَّهُ عَنِ الْمُضِيِّ فِي ذَبْحِ وَلَدِهِ وَذَلِكَ مِنْ مَنَاسِكَ الْحَجِّ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَلَمْ تَكُنْ لِلْيَهُودِ سُنَّةُ ذَبْحٍ مُعَيَّنٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute