وَأَمَّا ظَاهِرُ الْآيَةِ الَّذِي تَلَقَّاهُ النَّاسُ يَوْمَ نُزُولِهَا فَهُوَ أَنَّ الْجُنْدَ هُمْ كُفَّارُ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَنَّ التَّنْوِينَ فِيهِ لِلنَّوْعِيَّةِ، أَيْ مَا هُمْ إِلَّا جُنْدٌ مِنَ الْجُنُودِ الَّذِينَ كَذَّبُوا فَأُهْلِكُوا، وَأَنَّ الْإِشَارَةَ بِ هُنالِكَ إِلَى مَكَانٍ اعْتِبَارِيٍّ وَهُوَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الرِّفْعَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ الْعُرْفِيَّةِ وَأَنَّ الِانْهِزَامَ مُسْتَعَارٌ لِإِضْعَافِ شَوْكَتِهِمْ، وَعَلَى التفسيرين الظَّاهِر والمؤول لَا تَعْدُو الْآيَةُ أَنْ تَكُونَ تَسْلِيَة للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَثْبِيتًا لَهُ وَبِشَارَةً بِأَنَّ دِينَهُ سَيَظْهَرُ عَلَيْهِمْ.
وَالْجُنْدُ: الْجَمَاعَةُ الْكَثِيرَةُ قَالَ تَعَالَى: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ [البروج: ١٧، ١٨] .
وَمَا حَرْفٌ زَائِدٌ يُؤَكِّدُ مَعْنَى مَا قَبْلَهُ فَهِيَ تَوْكِيدٌ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ جُنْدٌ بِمَعْنَاهُ، وَتَنْكِيرُهُ لِلتَّعْظِيمِ، أَيْ جُنْدٌ عَظِيمٌ، لِأَنَّ التَّنْوِينَ وَإِنْ دَلَّ عَلَى التَّعْظِيمِ فَلَيْسَ نَصًّا فَصَارَ بِالتَّوْكِيدِ نَصًّا. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٦] ، فَإِنْ كَانَتِ الْآيَةُ مُشِيرَةً إِلَى يَوْمِ بَدْرٍ فَتَعْظِيمُ جُنْدٌ لِأَنَّ رِجَالَهُ عُظَمَاءُ قُرَيْشٍ مِثْلَ أَبِي جَهْلٍ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَإِنْ كَانَتْ مُشِيرَةً إِلَى يَوْمِ الْأَحْزَابِ فَتَعْظِيمُ جُنْدٌ لِكَثْرَةِ رِجَالِهِ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ.
وَوَصْفُ جُنْدٌ بِ مَهْزُومٌ عَلَى مَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ، أَيْ سَيُهْزَمُ، وَاسْمُ الْمَفْعُولِ كَاسْمِ الْفَاعِلِ مَجَازٌ فِي الِاسْتِقْبَالِ، وَالْقَرِينَةُ حَالِيَّةٌ وَهُوَ مِنْ بَابِ اسْتِعْمَالِ مَا هُوَ لِلْحَالِ فِي مَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ تَنْبِيهًا عَلَى تَحْقِيقِ وُقُوعِهِ فَكَأَنَّهُ مِنَ الْقُرْبِ بِحَيْثُ هُوَ كَالْوَاقِعِ فِي الْحَالِ.
والْأَحْزابِ: الَّذِينَ عَلَى رَأْيٍ وَاحِدٍ يَتَحَزَّبُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ.
ومِنَ لِلتَّبْعِيضِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ هَؤُلَاءِ الْجُنْدَ مِنْ جُمْلَةِ الْأُمَمِ وَهُوَ تَعْرِيضٌ لَهُمْ بِالْوَعِيدِ بِأَنْ يَحِلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِالْأُمَمِ، قَالَ تَعَالَى: وَقالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ [غَافِر:
٣٠، ٣١] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute