وَالتَّسَوُّرُ: تَفَعُّلٌ مُشْتَقٌّ مِنَ السُّورِ، وَهُوَ الْجِدَارُ الْمُحِيطُ بِمَكَانٍ أَوْ بَلَدٍ يُقَالُ: تَسَوَّرَ، إِذَا اعْتَلَى عَلَى السُّورِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُمْ: تَسَنَّمَ جَمَلَهُ، إِذَا عَلَا سَنَامَهُ، وَتَذَرَّأَهُ إِذَا عَلَا ذُرْوَتَهُ، وَقَرِيبٌ مِنْهُ فِي الِاشْتِقَاقِ قَوْلُهُمْ: صَاهَى، إِذَا رَكِبَ صَهْوَةَ فَرَسِهِ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ بَيْتَ عِبَادَةِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مَحُوطًا بِسُورٍ لِئَلَّا يَدْخُلَهُ أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنٍ مِنْ حَارِسِ السُّورِ.
والْمِحْرابَ: الْبَيْتُ الْمُتَّخَذُ لِلْعِبَادَةِ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ فِي سُورَةِ سَبَأٍ [١٣] .
وإِذْ دَخَلُوا بَدَلٌ مِنْ إِذْ تَسَوَّرُوا لِأَنَّهُمْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ لِلدُّخُولِ عَلَى دَاوُدَ.
وَالْفَزَعُ: الذُّعْرُ، وَهُوَ انْفِعَالٌ يَظْهَرُ مِنْهُ اضْطِرَابٌ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ تَوَقُّعِ شِدَّةٍ أَوْ مُفَاجَأَةٍ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ [١٠٣] . قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي كِتَابِ «أَحْكَامِ الْقُرْآنِ» : إِنْ قِيلَ: لِمَ فَزِعَ دَاوُدُ وَقَدْ قَوِيَتْ نَفْسُهُ بِالنُّبُوءَةِ؟ وَأَجَابَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَضْمَنْ لَهُ الْعِصْمَةَ وَلَا الْأَمْنَ مِنَ الْقَتْلِ وَكَانَ يَخَافُ مِنْهُمَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ لِمُوسَى لَا تَخَفْ وَقَبْلَهُ قِيلَ لِلُوطٍ. فَهُمْ مُؤَمَّنُونَ مِنْ خَوْفِ مَا لَمْ يَكُنْ قِيلَ لَهُمْ إِنَّكُمْ مِنْهُ مَعْصُومُونَ اه.
وَحَاصِلُ جَوَابِهِ: أَنَّ ذَلِكَ قَدْ عَرَضَ لِلْأَنْبِيَاءِ إِذْ لَمْ يَكُونُوا مَعْصُومِينَ مِنْ إِصَابَةِ الضُّرِّ حَتَّى يُؤَمِّنَ اللَّهُ أَحَدَهُمْ فَيَطْمَئِنَّ وَاللَّهُ لَمْ يُؤَمِّنْ دَاوُدَ فَلِذَلِكَ فَزِعَ. وَهُوَ جَوَابٌ غَيْرُ تَامِّ الْإِقْنَاعِ لِأَنَّ السُّؤَالَ تَضَمَّنَ قَوْلَ السَّائِلِ وَقَدْ قَوِيَتْ نَفْسُهُ بِالنُّبُوءَةِ فَجَعَلَ السَّائِلُ انْتِفَاءَ تَطَرُّقِ الْخَوْفِ إِلَى نُفُوسِ الْأَنْبِيَاءِ أَصْلًا بَنَى عَلَيْهِ سُؤَالَهُ، وَهُوَ أَجَابَ بِانْتِفَاءِ التَّأْمِينِ فَلَمْ يُطَابِقْ سُؤَالَ السَّائِلِ. وَكَانَ الْوَجْهُ أَنْ يَنْفِيَ فِي الْجَوَابِ سَلَامَةَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ تَطَرُّقِ الْخَوْفِ إِلَيْهِمْ.
وَالْأَحْسَنُ أَنْ نُجِيبَ:
أَوَّلًا: بِأَنَّ الْخَوْفَ انْفِعَالٌ جِبْلِيٌّ وَضَعَهُ اللَّهُ فِي أَحْوَالِ النُّفُوسِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَكْرُوهِ فَلَا تَخْلُو مِنْ بَوَادِرِهِ نُفُوسُ الْبَشَرِ فَيَعْرِضُ لَهَا ذَلِك الانفعال بادىء ذِي بَدْءٍ ثُمَّ يَطْرَأُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute