للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمَجْمُوعُ اهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ تَمْثِيلٌ لِحَالِ الْحَاكِمِ بِالْعَدْلِ بِحَالِ الْمُرْشِدِ الدَّالِّ عَلَى الطَّرِيقِ الْمُوَصِّلَةِ فَهُوَ مِنَ التَّمْثِيلِ الْقَابِلِ تَجْزِئَةَ التَّشْبِيهِ فِي أَجْزَائِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هُنَا أَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي الْعَدْلِ يُحْمَلُ عَلَى الْجَرْيِ عَلَى الْحَقِّ وَأَنَّ الْحُكْمَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِالْحَقِّ شَرْعًا لِأَنَّهُ هَدْيٌ فَهُوَ وَالْفُتْيَا سَوَاءٌ فِي أَنَّهُمَا هُدًى إِلَّا أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ إِلْزَامٌ.

وَمَعْنَى أَكْفِلْنِيها اجْعَلْهَا فِي كَفَالَتِي، أَيْ حِفْظِي وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْإِعْطَاءِ وَالْهِبَةِ، أَيْ هَبْهَا لِي.

وَجُمْلَةُ إِنَّ هَذَا أَخِي إِلَى آخِرِهَا بَيَانٌ لِجُمْلَةِ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ وَظَاهِرُ الْأَخِ أَنَّهُمَا أَرَادَا أُخُوَّةَ النَّسَبِ. وَقَدْ فَرَضَا أَنْفُسَهُمَا أَخَوَيْنِ وَفَرَضَا الْخُصُومَةَ فِي

مُعَامَلَاتِ الْقَرَابَةِ وَعَلَاقَةِ النَّسَبِ وَاسْتِبْقَاءِ الصِّلَاتِ، ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَخِي بَدَلًا مِنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرَ إِنَّ وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ اسْتِفْظَاعِ اعْتِدَائِهِ عَلَيْهِ.

وعَزَّنِي غَلَبَنِي فِي مُخَاطَبَتِهِ، أَيْ أَظْهَرَ فِي الْكَلَامِ عِزَّةً عَلِيَّ وَتَطَاوُلًا. فَجَعَلَ الْخِطَابَ ظَرْفًا لِلْعِزَّةِ مَجَازًا لِأَنَّ الْخِطَابَ دَلَّ عَلَى الْعِزَّةِ وَالْغَلَبَةِ فَوَقَعَ تَنْزِيلَ الْمَدْلُولِ مَنْزِلَةَ الْمَظْرُوفِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ سَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ نَعْجَتَهُ، وَلَمَّا رَأَى مِنْهُ تَمَنُّعًا اشْتَدَّ عَلَيْهِ بِالْكَلَامِ وَهَدَّدَهُ، فَأَظْهَرَ الْخَصْمُ الْمُتَشَكِّي أَنَّهُ يُحَافِظُ عَلَى أَوَاصِرِ الْقَرَابَةِ فَشَكَاهُ إِلَى الْمَلِكِ لِيَصُدَّهُ عَنْ مُعَامَلَةِ أَخِيهِ مُعَامَلَةَ الْجَفَاءِ وَالتَّطَاوُلِ لِيَأْخُذَ نَعْجَتَهُ عَنْ غَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ. وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ مَوْضِعَ هَذَا التَّحَاكُمِ طَلَبُ الْإِنْصَافِ فِي مُعَامَلَةِ الْقَرَابَةِ لِئَلَّا يُفْضِيَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ إِلَى التَّوَاثُبِ فَتَنْقَطِعَ أَوَاصِرُ الْمَبَرَّةِ وَالرَّحْمَةِ بَيْنَهُمْ.

وَقَدْ عَلِمَ دَاوُدُ مِنْ تَسَاوُقِهِمَا لِلْخُصُومَةِ وَمِنْ سُكُوتِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ أَنَّهُمَا مُتَقَارِبَانِ عَلَى مَا وَصَفَهُ الْحَاكِي مِنْهُمَا، أَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدِ اعْتَرَفَ. فَحَكَمَ دَاوُدُ بِأَنَّ سُؤَالَ الْأَخِ أَخَاهُ نَعْجَتَهُ ظُلْمٌ لِأَنَّ السَّائِلَ فِي غِنًى عَنْهَا وَالْمَسْئُولُ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا فَرَغْبَةُ السَّائِلِ فِيمَا بِيَدِ أَخِيهِ مِنْ فَرْطِ الْحِرْصِ عَلَى الْمَالِ