للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَمَّانَ قَصَبَةِ الْبَلْقَاءِ مِنْ فِلَسْطِينَ فَقُتِلَ فِي الْحَرْبِ وَكَانَ اسْمُ الْمَرْأَةِ (بَثَشْبَعُ بِنْتُ أَلْيَعَامِ وَهِيَ أُمُّ سُلَيْمَانَ) . وَحكى الْقُرْآن الْقِصَّة اكْتِفَاءً بِأَنَّ نَبَأَ الْخَصْمَيْنِ يُشْعِرُ بِهَا لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا أَعْقَبَهُ نَبَأُ الْخَصْمَيْنِ فِي نَفْسِ دَاوُدَ فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَى دَاوُدَ أَنِ اسْتَعْمَلَ لِنَفْسِهِ هَذَا الْمُبَاحَ فَعَاتَبَهُ بِهَذَا الْمَثَلِ الْمُشَخَّصِ، أَرْسَلَ إِلَيْهِ مَلَكَيْنِ نَزَلَا مِنْ أَعْلَى سُورِ الْمِحْرَابِ فِي صُورَةِ خَصْمَيْنِ وَقَصَّا عَلَيْهِ الْقِصَّةَ وَطَلَبَا حُكْمَهُ وَهَدْيَهُ فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا وَهَدَاهُمَا بِمَا تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ لِتَكُونَ تِلْكَ الصُّورَةُ عِظَةً لَهُ وَيُشْعِرُ أَنَّهُ كَانَ الْأَلْيَقُ بِمَقَامِهِ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ هَذَا الزَّوَاجَ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لِمَا فِيهِ مِنْ إِيثَارِ نَفْسِهِ بِمَا هُوَ لِغَيْرِهِ وَلَوْ بِوَجْهٍ مُبَاحٍ لِأَنَّ الشُّعُورَ بِحُسْنِ الْفِعْلِ أَوْ قُبْحِهِ قَدْ لَا يَحْصُلُ عَلَيْهِ حِينَ يَفْعَلُهُ فَإِذَا رَأَى أَوْ سَمِعَ أَنَّ وَاحِدًا عَمِلَهُ شَعَرَ بِوَصْفِهِ.

وَوَقَعَ فِي سِفْرِ «صَمْوِيلِ الثَّانِي» مِنْ كُتُبِ الْيَهُودِ سَوْقُ هَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى الْخِلَافِ هَذَا.

وَلَيْسَ فِي قَوْلِ الْخَصْمَيْنِ: هَذَا أَخِي وَلَا فِي فَرْضِهِمَا الْخُصُومَةَ الَّتِي هِيَ غَيْرُ وَاقِعَةٍ ارْتِكَابُ الْكَذِبِ لِأَنَّ هَذَا مِنَ الْأَخْبَارِ الْمُخَالِفَةِ لِلْوَاقِعِ الَّتِي لَا يُرِيدُ الْمُخْبِرُ بِهَا أَنْ يَظُنَّ الْمُخْبَرُ (بِالْفَتْحِ) وُقُوعَهَا إِلَّا رَيْثَمَا يَحْصُلُ الْغَرَضُ مِنَ الْعِبْرَةِ بِهَا ثُمَّ يَنْكَشِفُ لَهُ بَاطِنُهَا فَيَعْلَمُ أَنَّهَا لَمْ تَقَعْ. وَمَا يَجْرِي فِي خِلَالِهَا مِنَ الْأَوْصَافِ وَالنِّسَبِ غَيْرِ الْوَاقِعَةِ فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ وَعَلَى نِيَّةِ الْمُشَابَهَةِ.

وَفِي هَذَا دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَلَى جَوَازِ وَضْعِ الْقَصَصِ التَّمْثِيلِيَّةِ الَّتِي يُقْصَدُ مِنْهَا التَّرْبِيَةُ وَالْمَوْعِظَةُ وَلَا يَتَحَمَّلُ وَاضِعُهَا جُرْحَةَ الْكَذِبِ خِلَافًا لِلَّذِينِ نَبَزُوا الْحَرِيرِيَّ بِالْكَذِبِ فِي وَضْعِ «الْمَقَامَاتِ» كَمَا أَشَارَ هُوَ إِلَيْهِ فِي دِيبَاجَتِهَا. وَفِيهَا دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ لِجَوَازِ تَمْثِيلِ تِلْكَ الْقَصَص بالأجسام والذوات إِذَا لَمْ تُخَالِفِ الشَّرِيعَةَ، وَمِنْهُ تَمْثِيلُ الرِّوَايَاتِ وَالْقَصَصِ فِي دِيَارِ التَّمْثِيلِ، فَإِنَّ مَا يَجْرِي فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا يَصْلُحُ دَلِيلًا لَنَا فِي شَرْعِنَا إِذَا حَكَاهُ الْقُرْآنُ أَوْ سنة النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرِدْ فِي شَرْعِنَا مَا يَنْسَخُهُ.

وَأُخِذَ مِنَ الْآيَةِ مَشْرُوعِيَّةُ الْقَضَاءِ فِي الْمَسْجِدِ، قَالُوا: وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ سِوَى هَذِهِ الْآيَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا إِذَا حَكَاهُ الْكِتَابُ أَوِ السُّنَّةُ.