بِالدَّلَالَةِ، وَهِيَ الْمُقَابَلَةُ بَيْنَ فَرِيقِ الْمُفْسِدِينَ أُولِي النِّعْمَةِ وَفَرِيقِ الصَّالِحِينَ أُولِي الْبُؤْسِ، وَعَنْ حَالَةٍ دُونَ ذَلِكَ وَهِيَ فَرِيقُ الْمُفْسِدِينَ أَصْحَابِ الْبُؤْسِ وَالْخَصَاصَةِ وَفَرِيقُ الصَّالِحِينَ أُولِي النِّعْمَةِ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَرْعِي خَاطِرَ النَّاظِرِ.
وأَمْ الثَّانِيَةُ مُنْقَطِعَةٌ أَيْضًا وَمَفَادُهَا إِضْرَابُ انْتِقَالٍ ثَانٍ لِلِارْتِقَاءِ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّ الْحِكْمَةَ الرَّبَّانِيَّةَ بمراعاة الْحق وانتفاع الْبَاطِلِ فِي الْخَلْقِ تَقْتَضِي الْجَزَاءَ وَالْبَعْثَ لِأَجْلِهِ.
وَمَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ الَّذِي تَقْتَضِيهِ أَمْ الثَّانِيَةُ: الْإِنْكَارُ كَالَّذِي اقْتَضَتْهُ أَمْ الْأُولَى.
وَهَذَا الِارْتِقَاءُ فِي الِاسْتِدْلَالِ لِقَصْدِ زِيَادَةِ التَّشْنِيعِ عَلَى مُنْكِرِي الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ بِأَنَّ ظَنَّهُمْ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ جَعَلَ اللَّهُ الْمُتَّقِينَ مُسَاوِينَ لِلْفُجَّارِ فِي أَحْوَالِ وُجُودِ الْفَرِيقَيْنِ، وَتَقْرِيرُهِ مِثْلَ مَا قَرَّرَ بِهِ الِاسْتِدْلَالَ الْأَوَّلَ.
وَالْمُتَّقُونَ: هُمُ الَّذِينَ كَانَتِ التَّقْوَى شِعَارَهُمْ. وَالتَّقْوَى: مُلَازَمَةُ اتِّبَاعِ الْمَأْمُورَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمَنْهِيَّاتِ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
وَالْفُجَّارُ: الَّذِينَ شِعَارُهُمُ الْفُجُورُ، وَهُوَ أَشَدُّ الْمَعْصِيَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ: الْكُفْرُ وَأَعْمَالُهُ الَّتِي لَا تُرَاقِبُ أَصْحَابُهَا التَّقْوَى كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ [عبس:
٤٢] وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلٌ مِنْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً إِلَى قَوْلِهِ: مَا خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ [يُونُس: ٤، ٥] .
وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْإِطْنَابِ زِيَادَةُ التَّهْوِيلِ وَالتَّفْظِيعِ عَلَى الَّذِينَ ظَنُّوا ظَنًّا يُفْضِي إِلَى
أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ شَيْئًا مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا فَإِنَّ فِي الِانْتِقَالِ مِنْ دَلَالَةِ الْأَضْعَفِ إِلَى دَلَالَةِ الْأَقْوَى وَفِي تَكْرِيرِ أَدَاةِ الْإِنْكَارِ شَأْنًا عَظِيمًا مِنْ فَضْحِ أَمر الضَّالّين.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute