للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَرَمَتْهُ بِهِ عَلَى جَانِبِ الْكُرْ ... سِيِّ أُمُّ اللُّهَيْمِ أُخْتُ النَّآدِ (١)

وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنَ السِّيَاقِ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً إِشَارَةٌ إِلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْفِتْنَةِ لِيَرْتَبِطَ قَوْلُهُ: ثُمَّ أَنابَ بِذَلِكَ.

وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قِصَّةٌ أُخْرَى غَيْرُ قِصَّةِ فِتْنَتِهِ. وَأَظْهَرُ أَقْوَالِهِمْ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ إِشَارَةً إِلَى مَا

فِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ سُلَيْمَانُ لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً كُلُّهُنَّ تَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَلَمْ يَقُلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَطَافَ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا فَلم تحمل مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ، وَأَيْمُ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ»

. وَلَيْسَ فِي كَلَام النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ ذَلِكَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ وَلَا وَضَعَ الْبُخَارِيُّ وَلَا التِّرْمِذِيُّ الْحَدِيثَ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ كِتَابَيْهِمَا. قَالَ جَمَاعَةٌ: فَذَلِكَ النِّصْفُ مِنَ الْإِنْسَانِ هُوَ الْجَسَدُ الْمُلْقَى عَلَى كُرْسِيِّهِ جَاءَتْ بِهِ الْقَابِلَةُ فَأَلْقَتْهُ لَهُ وَهُوَ عَلَى كُرْسِيِّهِ، فَالْفِتْنَةُ عَلَى هَذَا خَيْبَةُ أَمَلِهِ وَمُخَالَفَةُ مَا أَبْلَغَهُ صَاحِبُهُ.

وَإِطْلَاقُ الْجَسَدِ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْلُودِ إِمَّا لِأَنَّهُ وُلِدَ مَيِّتًا، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: «شِقِّ رَجُلٍ» ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ كَانَ خِلْقَةً غَيْرَ مُعْتَادَةٍ فَكَانَ مُجَرَّدَ جَسَدٍ. وَهَذَا تَفْسِيرٌ بَعِيدٌ لِأَنَّ الْخَبَرَ لَمْ يَقْتَضِ أَنَّ الشِّقَّ الَّذِي وَلَدَتْهُ الْمَرْأَةُ كَانَ حَيًّا وَلَا أَنَّهُ جَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ سُلَيْمَانَ. وَتَرْكِيبُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى ذَلِكَ الْخَبَرِ تَكَلُّفٌ.

وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ وَشَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: تَزَوَّجَ سُلَيْمَانُ ابْنَةَ مَلِكِ صَيْدُونَ بَعْدَ أَنْ غَزَا أَبَاهَا وَقَتَلَهُ فَكَانَتْ حَزِينَةً عَلَى أَبِيهَا، وَكَانَ سُلَيْمَانُ قَدْ شَغَفَ بِحُبِّهَا فَسَأَلَتْهُ لِتَرْضَى أَنْ يَأْمُرَ الْمُصَوِّرِينَ لِيَصْنَعُوا صُورَةً لِأَبِيهَا فَصُنِعَتْ لَهَا فَكَانَتْ تَغْدُو وَتَرُوحُ مَعَ وَلَائِدِهَا يَسْجُدْنَ لِتِلْكَ الصُّورَةِ فَلَمَّا عَلِمَ سُلَيْمَانُ بِذَلِكَ أَمَرَ بِذَلِكَ التِّمْثَالِ فَكُسِرَ، وَقِيلَ: كَانَتْ تَعْبُدُ صَنَمًا لَهَا مِنْ يَاقُوتٍ خُفْيَةً فَلَمَّا فَطِنَ سُلَيْمَانُ أَوْ أَسْلَمَتِ الْمَرْأَةُ تُرِكَ ذَلِكَ الصَّنَمُ.


(١) اللهيم كزبير: الداهية: والنّآد كسحاب: الداهية أَيْضا.