وَابْنُ زَيْدٍ، وَجَرَيَانُهُ بَيْنَهُمْ لِيَزْدَادُوا مَقْتًا بِأَنْ يُضَافَ إِلَى عَذَابِهِمُ الْجُسْمَانِيِّ عَذَابُ أَنْفُسِهِمْ بِرُجُوعِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِالتَّنْدِيمِ وَسُوءِ الْمُعَامَلَةِ.
وَأُسْلُوبُ الْكَلَامِ يَقْتَضِي مُتَكَلِّمًا صَادِرًا مِنْهُ، وَأُسْلُوبُ الْمُقَاوَلَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِهِ هُمُ الطَّاغُونَ الَّذِينَ لَهُمْ شَرُّ الْمَآبِ لِأَنَّهُمْ أَسَاسُ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ. فَالتَّقْدِيرُ: يَقُولُونَ، أَيْ الطَّاغُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ، أَيْ يَقُولُونَ مُشِيرِينَ إِلَى فَوْجٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أُقْحِمَ فِيهِمْ لَيْسُوا مِنْ أَكْفَائِهِمْ وَلَا مِنْ طَبَقَتِهِمْ وَهُمْ فَوْجُ الْأَتْبَاعِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا الطَّاغِينَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَذَلِكَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا [ص: ٦٠] أَيْ أَنْتُمْ سَبَبُ إِحْضَارِ هَذَا الْعَذَابِ لَنَا. وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَعْنَى نَظَائِرَهِ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها [الْأَعْرَاف: ٣٨] إِلَى قَوْلِهِ: بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [٣٩] ، وَقَوْلِهِ: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٦٦] ، وَقَوْلِهِ: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ
الْآيَاتِ مِنْ سُورَةِ الصَّافَّاتِ [٢٧] . وَأَوْضَحُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي آخِرِ هَذِهِ الْآيَةِ إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ [ص: ٦٤] .
فَجُمْلَةُ الْقَوْلِ الْمَحْذُوفِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الطَّاغِينَ. وَجُمْلَةُ هَذَا فَوْجٌ إِلَى آخِرِهَا مَقُولُ الْقَوْلِ الْمَحْذُوفِ.
وَالْفَوْجُ: الْجَمَاعَةُ الْعَظِيمَةُ مِنَ النَّاسِ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً فِي سُورَةِ النَّمْلِ [٨٣] .
وَالِاقْتِحَامُ: الدُّخُولُ فِي النَّاسِ، وَ (مَعَ) مُؤْذِنَةٌ بِأَنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ مَتْبُوعُونَ، وَأَنَّ الْفَوْجَ الْمُقْتَحِمَ أَتْبَاعٌ لَهُمْ، فَأُدْخِلُوا فِيهِمْ مَدْخَلَ التَّابِعِ مَعَ الْمَتْبُوعِ بِعَلَامَاتٍ تُشْعِرُ بِذَلِكَ.
وَجُمْلَةُ: لَا مَرْحَباً بِهِمْ مُعْتَرِضَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لِإِنْشَاءِ ذَمِّ الْفَوْجِ. وَلَا مَرْحَباً نَفْيٌ لِكَلِمَةٍ يَقُولُهَا الْمَزُورُ لِزَائِرِهِ وَهِيَ إِنْشَاءُ دُعَاءِ الْوَافِدِ. ومَرْحَباً مَصْدَرٌ بِوَزْنِ الْمَفْعَلِ، وَهُوَ الرُّحْبُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ مَعْنَى الرَّحْبِ، أَيْ أَتَيْتَ رَحْبًا، أَيْ مَكَانَا ذَا رُحْبٍ، فَإِذَا أَرَادُوا كَرَاهِيَةَ الْوَافِدِ وَالدُّعَاءَ عَلَيْهِ قَالُوا: لَا مَرْحَبًا بِهِ، كَأَنَّهُمْ أَرَادُوا النَّفْيَ بِمَجْمُوعِ الْكَلِمَةِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute