للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَيَا لَكَ مِنْ لَيْلٍ كَأَنَّ نُجُومَهُ ... بِكُلِّ مُغَارِ الْفَتْلِ شُدَّتْ بِيَذْبُلِ

وَأَصْلُهُ مَجَازٌ لِجَعْلِ الْكَثِيرِ مِنْ أَفْرَادِ شَيْءٍ مُشَابِهًا لِمَجْمُوعِ عُمُومِ أَفْرَادِهِ، ثُمَّ كَثُرَ ذَلِكَ حَتَّى سَاوَى الْحَقِيقَةَ فَصَارَ مَعْنًى مِنْ مَعَانِي كُلِّ لَا يَحْتَاجُ اسْتِعْمَاله إِلَى قرينَة وَلَا إِلَى اعْتِبَارِ

تَشْبِيهِ الْعَدَدِ الْكَثِيرِ مِنْ أَفْرَادِ الْجِنْسِ بِعُمُومِ جَمِيعِ أَفْرَادِهِ حَتَّى إِنَّهُ يَرِدُ فِيمَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ عُمُومُ أَفْرَادٍ، مِثْلُ قَوْلِهِ هُنَا بِكُلِّ آيَةٍ فَإِنَّ الْآيَاتِ لَا يُتَصَوَّرُ لَهَا عَدَدٌ يُحَاطُ بِهِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ [النَّحْل: ٦٩] وَقَوْلُهُ: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ [يُونُس: ٩٦] وَقَالَ النَّابِغَةُ:

بِهَا كُلُّ ذَيَّالٍ وَخَنْسَاءَ تَرْعَوِي ... إِلَى كُلِّ رَجَّافٍ مِنَ الرَّمْلِ فَارِدِ

وَتَكَرَّرَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي قَوْلِ عَنْتَرَةَ:

جَادَتْ عَلَيْهِ كُلُّ بِكْرٍ حُرَّةٍ ... فَتَرَكْنَ كُلَّ قَرَارَةٍ كَالدِّرْهَمِ

سَحًّا وَتَسْكَابًا فَكُلُّ عَشِيَّةٍ ... يَجْرِي إِلَيْهَا الْمَاءُ لَمْ يَتَصَرَّمِ

وَصَاحِبُ «الْقَامُوسِ» قَالَ فِي مَادَّةِ كُلِّ «وَقَدْ جَاءَ اسْتِعْمَالُ كُلِّ بِمَعْنَى بَعْضِ ضِدٌّ» فَأَثْبَتَ الْخُرُوجَ عَنْ مَعْنَى الْإِحَاطَةِ وَلَكِنَّهُ جَازَفَ فِي قَوْلِهِ «بِمَعْنَى بَعْضِ» وَكَانَ الْأَصْوَبُ أَنْ يَقُولَ بِمَعْنَى كَثِيرٍ.

وَالْمَعْنَى أَنَّ إِنْكَارَهُمْ أَحَقِّيَّةُ الْكَعْبَةِ بِالِاسْتِقْبَالِ لَيْسَ عَنْ شُبْهَةٍ حَتَّى تُزِيلَهُ الْحُجَّةُ وَلَكِنَّهُ مُكَابَرَةٌ وَعِنَادٌ فَلَا جَدْوَى فِي إِطْنَابِ الِاحْتِجَاجِ عَلَيْهِمْ.

وَإِضَافَةُ قِبْلَةٍ إِلَى ضَمِيرِ الرَّسُولِ لِأَنَّهَا أَخَصُّ بِهِ لِكَوْنِهَا قِبْلَةَ شَرْعِهِ، وَلِأَنَّهُ سَأَلَهَا بِلِسَانِ الْحَالِ.

وَإِفْرَادُ الْقِبْلَةِ فِي قَوْلِهِ: وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ مَعَ كَوْنِهِمَا قِبْلَتَيْنِ، إِنْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قِبْلَةٌ مُعَيَّنَةٌ، وَأَكْثَرُ مِنْ قِبْلَةٍ إِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ قِبْلَةٌ مُعَيَّنَةٌ وَكَانُوا مُخَيَّرِينَ فِي اسْتِقْبَالِ الْجِهَاتِ، فَإِفْرَادُ لَفْظِ (قِبْلَتِهِمْ) عَلَى مَعْنَى التَّوْزِيعِ لِأَنَّهُ إِذَا اتَّبَعَ قِبْلَةَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ كَانَ غَيْرَ مُتَّبِعٍ قِبْلَةَ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى.

وَالْمَقْصُودُ مِنْ قَوْلِهِ: مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ إِظْهَارُ مُكَابَرَتِهِمْ تَأْيِيسًا مِنْ إِيمَانِهِمْ، وَمِنْ قَوْلِهِ: وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ تَنْزِيهُ النَّبِيءِ وَتَعْرِيضٌ لَهُمْ بِالْيَأْسِ من رُجُوع الْمُؤمنِينَ إِلَى