وَالْأَجَلُ هُوَ أَجَلُ فَنَائِهِمَا فَإِنَّ جَرْيَهُمَا لَمَّا كَانَ فِيهِ تَقْرِيبُ فَنَائِهِمَا جُعِلَ جَرْيُهُمَا كَأَنَّهُ
لِأَجْلِ الْأَجَلِ أَيْ لِأَجْلِ مَا يَطْلُبُهُ وَيَقْتَضِيهِ أَجَلُ الْبَقَاءِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها [يس: ٣٨] ، فَالتَّنْكِيرُ فِي (أَجَلٍ) لِلْإِفْرَادِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَجَلِ أَجْلَ حَيَاةِ النَّاسِ الَّذِي يَنْتَهِي بَانْتِهَاءِ الْأَعْمَارِ الْمُخْتَلِفَةِ. وَلَيْسَ الْعُمْرُ إِلَّا أَوْقَاتًا مَحْدُودَةً وَأَنْفَاسًا مَعْدُودَةً. وَجَرْيُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ تُحْسَبُ بِهِ تِلْكَ الْأَوْقَاتُ وَالْأَنْفَاسُ، فَصَارَ جَرْيُهُمَا كَأَنَّهُ لِأَجَلٍ.
قَالَ أُسْقُفُ نَجْرَانَ:
مَنَعَ الْبَقَاءَ تَقَلُّبُ الشَّمْسِ ... وَطُلُوعُهَا مِنْ حَيْثُ لَا تُمْسِي
وَأَقْوَالُهُمْ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ.
فَالتَّنْكِيرُ فِي أَجَلٍ لِلنَّوْعِيَّةِ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى لِآجَالٍ مُسَمَّاةٍ. وَلَعَلَّ تَعْقِيبَهُ بِوَصْفِ الْغَفَّارُ يُرَجِّحُ هَذَا الْمَحْمَلَ كَمَا سَيَأْتِي.
وَالْمُسَمَّى: الْمَجْعُولُ لَهُ وَسْمٌ، أَيْ مَا بِهِ يُعَيَّنُ وَهُوَ مَا عَيَّنَهُ اللَّهُ لِأَنْ يَبْلُغَ إِلَيْهِ. وَقَدْ جَاءَ فِي آيَاتٍ أُخْرَى كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ [لُقْمَان: ٢٩] بِحَرْفِ انْتِهَاءِ الْغَايَةِ، وَلَامُ الْعِلَّةِ وَحَرْفُ الْغَايَةِ مُتَقَارِبَانِ فِي الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ وَأَحْسَبُ أَنَّ اخْتِلَافَ التَّعْبِيرِ بِهِمَا مُجَرَّدُ تَفَنُّنٍ فِي الْكَلَامِ.
أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ.
اسْتِئْنَاف ابتدائي هُوَ فِي مَعْنَى الْوَعِيدِ وَالْوَعْدِ، فَإِنَّ وَصْفَ الْعَزِيزُ كِنَايَةٌ عَنْ أَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ لَا غَالِبَ لَهُ فَلَا تُجْدِي الْمُشْرِكِينَ عِبَادَةُ أَوْلِيَائِهِمْ، وَوَصْفُ الْغَفَّارُ مُؤْذِنٌ بِاسْتِدْعَائِهِمْ إِلَى التَّوْبَةِ بِاتِّبَاعِ الْإِسْلَامِ. وَفِي وَصْفِ الْغَفَّارُ مُنَاسِبَةٌ لِذِكْرِ الْأَجَلِ لِأَنَّ الْمَغْفِرَةَ يَظْهَرُ أَثَرُهَا بَعْدَ الْبَعْثِ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَانْتِهَاءِ الْأَجَلِ تَحْرِيضًا عَلَى الْبِدَارِ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْمَوْتِ حِينَ يَفُوتُ التَّدَارُكُ. وَفِي افْتِتَاحِ الْجُمْلَةِ بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ إِيذَانٌ بِأَهَمِّيَّةِ مَدْلُولِهَا الصَّرِيحِ وَالْكِنَائِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute