للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَانْتَصَبَ خَلْقاً عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ الْمُبَيِّنَةِ لِلنَّوْعِيَّةِ بِاعْتِبَارِ وَصْفِهِ بِأَنَّهُ مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ، وَيَتَعَلَّقُ قَوْلُهُ: فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ بِ يَخْلُقُكُمْ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ أُمَّهاتِكُمْ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ فِي حَالَيِ الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ فِي حَالِ الْوَصْلِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ إِتْبَاعًا لِكَسْرَةِ نُونِ بُطُونِ وَبِكَسْرِ الْمِيمِ إِتْبَاعًا لِكَسْرِ الْهَمْزَةِ. وَقَرَأَهُ الْكِسَائِيُّ بِكَسْرِ الْمِيمِ فِي حَالِ الْوَصْلِ مَعَ فَتْحِ الْهَمْزَةِ.

ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ.

بَعْدَ أَنْ أُجْرِيَ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْأَخْبَارِ وَالصِّفَاتِ الْقَاضِيَةِ بِأَنَّهُ الْمُتَصَرِّفُ فِي الْأَكْوَانِ كُلِّهَا: جَوَاهِرِهَا وَأَعْرَاضِهَا، ظَاهِرِهَا وَخَفِيِّهَا، ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ: خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ [الْأَنْعَام: ٧٣] ، مَا يُرْشِدُ الْعَاقِلَ إِلَى أَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِالتَّصَرُّفِ الْمُسْتَحَقِّ الْعِبَادَةِ الْمُنْفَرِدِ بِالْإِلَهِيَّةِ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ حَقِيقٌ بِمَا يَرِدُ بَعْدَهُ مِنْ أَجْلِ تِلْكَ التَّصَرُّفَاتِ وَالصِّفَاتِ. وَالْجُمْلَةُ فَذْلَكَةٌ وَنَتِيجَةٌ أَنْتَجَتْهَا الْأَدِلَّةُ السَّابِقَةُ وَلِذَلِكَ فُصِلَتْ.

وَاسْمُ الْإِشَارَةِ لِتَمْيِيزِ صَاحِبِ تِلْكَ الصِّفَاتِ عَنْ غَيْرِهِ تَمْيِيزًا يُفْضِي إِلَى مَا يَرِدُ بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ عَلَى نَحْوِ مَا قُرِّرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٥] .

وَالْمَعْنَى: ذَلِكُمُ الَّذِي خَلَقَ وَسَخَّرَ وَأَنْشَأَ النَّاسَ وَالْأَنْعَامَ وَخَلَقَ الْإِنْسَانَ أَطْوَارًا هُوَ اللَّهُ، فَلَا تُشْرِكُوا مَعَهُ غَيْرَهُ إِذْ لَمْ تَبْقَ شُبْهَةٌ تَعْذُرُ أَهْلَ الشِّرْكِ بِشِرْكِهِمْ، أَيْ لَيْسَ شَأْنُهُ بِمُشَابِهٍ

حَالَ غَيْرِهِ مِنْ آلِهَتِكُمْ قَالَ تَعَالَى: أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ [الرَّعْد: ١٦] .

وَالْإِتْيَانُ بِاسْمِهِ الْعَلَمِ لِإِحْضَارِ الْمُسَمَّى فِي الْأَذْهَانِ بَاسِمٍ مُخْتَصٍّ زِيَادَةً فِي الْبَيَانِ لِأَنَّ حَالَ الْمُخَاطَبِينَ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ حَالِ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ فَاعِلَ تِلْكَ الْأَفْعَالِ الْعَظِيمَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَاسْمُ الْجَلَالَةِ خَبَرٌ عَنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ. وَقَولُهُ: رَبِّكُمْ صِفَةٌ لِاسْمِ الْجَلَالَةِ.