وَالْإِنَابَةُ: التَّوْبَةُ وَتَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ فِي سُورَةِ هُودٍ [٧٥] . وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا التَّوْبَةُ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَمَعْصِيَةٍ وَأَعْلَاهَا التَّوْبَةُ مِنَ الشِّرْكِ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
وَالْبُشْرَى: الْبِشَارَةُ، وَهِيَ الْإِخْبَارُ بِحُصُولِ نَفْعٍ، وَتَقَدَّمَتْ فِي قَوْله تَعَالَى: هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ
فِي سُورَةِ يُونُسَ [٦٤] . وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا: الْبُشْرَى بِالْجَنَّةِ.
وَفِي تَقْدِيمِ الْمُسْنَدِ مِنْ قَوْلِهِ: لَهُمُ الْبُشْرى إِفَادَةُ الْقَصْرِ وَهُوَ مِثلُ الْقَصْرِ فِي أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ.
وَفُرِّعَ عَلَى قَوْلِهِ: لَهُمُ الْبُشْرى قَوْله: فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ وَهُمُ الَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ، فَعَدَلَ عَنِ الْإِتْيَانِ بِضَمِيرِهِمْ بِأَنْ يُقَالَ: فَبَشِّرْهُمْ، إِلَى الْإِظْهَارِ باسم الْعباد مُضَاف إِلَى ضَمِيرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَبِالصِّلَةِ لِزِيَادَةِ مَدْحِهِمْ بِصِفَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ وَهُمَا: صِفَةُ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ، أَيْ عُبُودِيَّةِ التَّقَرُّبِ، وَصِفَةُ اسْتِمَاعِ الْقَوْلِ وَاتِّبَاعِ أَحْسَنِهِ.
وَقَرَأَ الْعَشَرَةُ مَا عَدَا السُّوسِيِّ رَاوِي أَبِي عَمْرٍو كَلِمَةَ عِبادِ بِكَسْرِ الدَّالِ دُونَ يَاءٍ
وَهُوَ تَخْفِيفٌ وَاجْتِزَاءٌ بِوُجُودِ الْكَسْرَةِ عَلَى الدَّالِ. وَقَرَأَهَا السُّوسِيُّ بِيَاءٍ بَعْدَ الدَّالِ مَفْتُوحَةٍ فِي الْوَصْلِ وَسَاكِنَةٍ فِي الْوَقْفِ، وَنُقِلَ عَنْهُ حَذْفُ الْيَاءِ فِي حَالَةِ الْوَقْفِ وَهُمَا وَجْهَانِ صَحِيحَانِ فِي الْعَرَبِيَّةِ كَمَا فِي «التَّسْهِيلِ» ، لَكِنِ اتّفقت الْمَصَاحِف على كِتَابَةَ عِبادِ هُنَا بِدُونِ يَاءٍ بَعْدَ الدَّالِ وَذَلِكَ يُوَهِّنُ قِرَاءَةَ السُّوسِيِّ إِلَّا أَنْ يُتَأَوَّلَ لَهَا بِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ.
وَالتَّعْرِيفُ فِي الْقَوْلَ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ، أَيْ يَسْتَمِعُونَ الْأَقْوَالَ مِمَّا يَدْعُو إِلَى الْهُدَى مِثْلَ الْقُرْآنِ وَإِرْشَادِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَسْتَمِعُونَ الْأَقْوَالَ الَّتِي يُرِيدُ أَهْلُهَا صَرْفَهُمْ عَنِ الْإِيمَانِ مِنْ تُرَّهَاتِ أَيِمَّةِ الْكُفْرِ فَإِذَا اسْتَمَعُوا ذَلِكَ اتَّبَعُوا أَحْسَنَهُ وَهُوَ مَا يَدْعُو إِلَى الْحَقِّ.
وَالْمُرَادُ: يَتْبَعُونَ الْقَوْلَ الْحَسَنَ مِنْ تِلْكَ الْأَقْوَالِ، فَاسْمُ التَّفْضِيلِ هُنَا لَيْسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute