الْفَاعِلِ فِي اقْتِضَائِهِ الِاتِّصَافِ بِالْوَصْفِ فِي زَمَنِ الْحَالِ فَيَكُونُ إِيمَاءً إِلَى أَنَّ الْجَنَّةَ مَخْلُوقَةٌ مِنَ الْآنَ.
وَيَجُوزُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ احْتِرَازًا عَنْ نَوْعٍ مِنَ الْغُرَفِ تَكُونُ نَحْتًا فِي الْحَجَرِ فِي الْجِبَالِ مِثْلُ غُرَفِ ثَمُودَ، وَمِثْلُ مَا يُسَمِّيهِ أَهْلُ الْجَنُوبِ التُّونِسِيِّ غُرَفًا، وَهِيَ بُيُوتٌ مَنْقُورَةٌ فِي جبال (مدنين) و (مطماطة) و (تطاوين) وَانْظُرْ هَلْ تُسَمَّى تِلْكَ الْبُيُوتُ غُرَفًا فِي الْعَرَبِيَّةِ فَإِنَّ كُتُبَ اللُّغَةِ لَمْ تَصِفْ مُسَمَّى الْغُرْفَةِ وَصْفًا شَافِيًا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيَّةٌ وَصْفًا لِلْغُرَفِ بِاعْتِبَارِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُهَا مِنْ مَعْنَى الْمَبْنِيِّ الْمُعْتَلِي فَيَكُونُ الْوَصْفُ دَالًّا عَلَى تَمَكُّنِ الْمَعْنَى الْمَوْصُوفِ، أَيْ مَبْنِيَّةٌ بِنَاءً بَالِغًا الْغَايَةَ فِي نَوْعِهِ كَقَوْلِهِمْ: لَيْلٌ أَلْيَلُ، وَظِلٌّ ظَلِيلٌ.
وَجَرْيُ الْأَنْهَارِ مِنْ تَحْتِهَا مِنْ كَمَالِ حُسْنِ مَنْظَرِهَا لِلْمُطِلِّ مِنْهَا. وَمَعْنَى مِنْ تَحْتِهَا أَنَّ الْأَنْهَارَ تَمُرُّ عَلَى مَا يُجَاوِرُ تَحْتَهَا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فِي آلِ عِمْرَانَ [١٥] ، فَأُطْلِقَ اسْمُ «تَحْتٍ» عَلَى مُجَاوِرِهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: تَجْرِي مِنْ تَحْتِ أُسُسِهَا الْأَنْهَارُ، أَيْ تَخْتَرِقُ أُسُسَهَا وَتَمُرُّ
فِيهَا وَفِي سَاحَاتِهَا، وَذَلِكَ مِنْ أَحْسَنِ مَا يُرَى فِي الدِّيَارِ كَدِيَارِ دِمَشْقَ وَقَصْرِ الْحَمْرَاءِ بِالْأَنْدَلُسِ وَدِيَارِ أَهْلِ التَّرَفِ فِي مَدِينَةِ فَاسٍ فَيَكُونُ إِطْلَاقُ «تَحْتِ» حَقِيقَةً.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ كُلَّ غُرْفَةٍ مِنْهَا يَجْرِي تَحْتَهَا نَهَرٌ فَهُوَ مِنْ مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ لِيُقَسَّمَ عَلَى الْآحَادِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَصْعَدَ الْمَاءُ إِلَى كُلِّ غُرْفَةٍ فَيَجْرِي تَحْتَهَا.
ووَعْدَ اللَّهِ مَصْدَرٌ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ مُؤَكِّدٌ لِنَفْسِهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَهُمْ غُرَفٌ فِي مَعْنَى: وَعَدَهُمُ اللَّهُ غُرَفًا وَعَدًا مِنْهُ. وَيَجُوزُ انْتِصَابُهُ عَلَى الْحَالِ مِنْ غُرَفٌ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ: وَعْداً عَلَيْنا، وَإِضَافَةُ وَعْدَ إِلَى اَسْمِ الْجَلَالَةِ مُؤْذِنَةٌ بِأَنَّهُ وَعْدٌ مُوفًّى بِهِ فَوَقَعَتْ جُمْلَةُ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ بَيَانًا لِمَعْنَى وَعْدَ اللَّهِ.
وَالْمِيعَادُ: مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنى الْوَعْد.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute