للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الِاسْتِدْلَالِ عَلَى تَفَرُّدِ الله تَعَالَى بِالْإِلَهِيَّةِ بِدَلِيلٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ الَّتِي يُشَاهِدُهَا النَّاسُ مُشَاهَدَةً مُتَكَرِّرَةً، فَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً إِلَى قَوْله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (١) مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها [الزمر: ٦] الْمُتَّصِلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ [الزمر: ٥] ، وَيَكُونُ مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ تَمْثِيلِ حَالِ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَانْتِفَاعِ الْمُؤْمِنِينَ إِدْمَاجًا فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ. وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ أُدْمِجَ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ إِيمَاءً إِلَى إِمْكَانِ إِحْيَاءِ النَّاسِ حَيَاةً ثَانِيَةً.

وَالْكَلَامُ اسْتِفْهَامٌ تَقْرِيرِيٌّ، وَالْخِطَابُ لِكُلِّ مَنْ يَصْلُحُ لِلْخِطَابِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مُخَاطَبًا مُعَيَّنًا. وَالرُّؤْيَةُ بَصَرِيَّةُ.

وَقَوْلُهُ: أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي قَوْلِهِ: وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فِي سُورَة الْأَنْعَام [٩٩] .

وفَسَلَكَهُ أَدْخَلَهُ، أَيْ جَعَلَهُ سَالِكًا، أَيْ دَاخِلًا، فَفِعْلُ سَلَكَ هُنَا مُتَعَدٍّ وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا فِي سُورَةِ طه [٥٣] ، وَذَكَرْنَا هُنَالِكَ أَنَّ فِعْلَ سَلَكَ يَكُونُ قَاصِرًا وَمُتَعَدِّيًا، وَهَذَا الْإِدْخَالُ دَلِيلٌ ثَانٍ.

ويَنابِيعَ جَمْعُ يَنْبُوعٍ وَهُوَ الْعَيْنُ مِنَ الْمَاءِ، تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ [٩٠] . وَانْتَصَبَ يَنابِيعَ عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ مَاءً. وَتَصْيِيرُ الْمَاءِ الدَّاخِلِ فِي الْأَرْضِ يَنَابِيعَ دَلِيلٌ ثَالِثٌ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ.

وَعَطَفَ بِ ثُمَّ قَوْلَهُ: ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً لِإِفَادَةِ التَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ بِحَرْفِ ثُمَّ كَشَأْنِهَا فِي عَطْفِ الْجُمَلِ لِأَنَّ إِخْرَاجَ الزَّرْعِ مِنَ الْأَرْضِ بَعْدَ إِقْحَالِهَا أَوْقَعُ فِي نُفُوسِ النَّاسِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِأَبْصَارِهِمْ وَأَنْفَعُ لِعَيْشِهِمْ وَإِذْ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْمَطَرِ. وَهَذَا الْإِخْرَاجُ دَلِيلٌ رَابِعٌ.

وَالْأَلْوَانُ: جَمْعُ لَوْنٍ، وَاللَّوْنُ: كَيْفِيَّةٌ لَائِحَةٌ عَلَى ظَاهِرِ الْجِسْمِ فِي الضَّوْءِ، وَتَقَدَّمَ فِي

سُورَةِ فَاطِرٍ


(١) فِي المطبوعة إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ.