للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَصْلُ النَّظْمِ: وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالله كَافِيكَ، فَغَيَّرَ مَجْرَى النَّظْمِ لِهَذَا

الْغَرَضِ، وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ نَظْمَ الْكَلَامِ عَلَى تَرْتِيبِهِ فِي اللَّفْظِ فَتَجْعَلَ جُمْلَةَ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ اسْتِئْنَافًا، وَتَصِيرُ جُمْلَةُ وَيُخَوِّفُونَكَ حَالًا.

وَوَقَعَ التَّعْبِيرُ عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالِاسْمِ الظَّاهِرِ وَهُوَ عَبْدَهُ دُونَ ضَمِيرِ الْخِطَابِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَوْجِيهُ الْكَلَامِ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، وَحُذِفَ الْمَفْعُول الثَّانِي لكاف لِظُهُورِ أَنَّ الْمَقْصُودَ كَافِيكَ أَذَاهُمْ، فَأَمَّا الْأَصْنَامُ فَلَا تَسْتَطِيعُ أَذًى حَتَّى يُكْفَاهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارٌ عَلَيْهِمْ ظَنَّهُمْ أَنْ لَا حَامِيَ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ضُرِّ الْأَصْنَامِ. وَالْمُرَادُ بِ عَبْدَهُ هُوَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا مَحَالَةَ وَبِقَرِينَةِ ويُخَوِّفُونَكَ.

وَفِي اسْتِحْضَارِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَصْفِ الْعُبُودِيَّةِ وَإِضَافَتِهِ إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ، مَعْنًى عَظِيمٌ مِنْ تَشْرِيفِهِ بِهَذِهِ الْإِضَافَةِ وَتَحْقِيقِ أَنَّهُ غَيْرُ مُسَلِّمِهِ إِلَى أَعْدَائِهِ.

وَالْخِطَابُ فِي وَيُخَوِّفُونَكَ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الْتِفَاتٌ مِنْ ضَمِيرِ الْغَيْبَةِ الْعَائِدِ عَلَى عَبْدَهُ، وَنُكْتَةُ هَذَا الِالْتِفَاتِ هُوَ تَمْحِيضُ قَصْدِ النَّبِيءِ بِمَضْمُونِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ جُمْلَةِ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ كَمَا علمت آنِفا.

وبِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ هُمُ الْأَصْنَامُ. عَبَّرَ عَنْهُمْ وَهُمْ حِجَارَةٌ بِمَوْصُولِ الْعُقَلَاءِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ التَّعْبِيرِ عَنْهُمْ فِي الْكَلَامِ بِصِيَغِ الْعُقَلَاءِ. ومِنْ دُونِهِ صِلَةُ الْمَوْصُولِ عَلَى تَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَجْرُورُ دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، تَقْدِيرُهُ: اتَّخَذُوهُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْ عَبَدُوهُمْ مِنْ دُونِهِ.

وَوَقَعَ فِي «تَفْسِيرِ الْبَيْضَاوِيِّ» أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ خَبَرُ تَوْجِيهِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى هَدْمِ الْعُزَّى وَأَنَّ سَادِنَ الْعُزَّى قَالَ لِخَالِدٍ: أُحَذِّرُكَهَا يَا خَالِدُ فَإِنَّ لَهَا شِدَّةً لَا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ، فَعَمَدَ خَالِدٌ إِلَى الْعُزَّى فَهَشَّمَ أَنْفَهَا حَتَّى كَسَرَهَا بِالْفَأْسِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. وَتَأَوَّلَ الْخِطَابَ فِي قَوْلِهِ: وَيُخَوِّفُونَكَ بِأَنَّ تَخْوِيفَهُمْ خَالِدًا أَرَادُوا بِهِ تَخْوِيفَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ مَدَنِيَّةً وَسِيَاقُ الْآيَةِ نَابَ عَنْهُ. وَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ قَالَ هَذَا إِنَّمَا أَرَادَ الِاسْتِشْهَادَ لِتَخْوِيفِ الْمُشْرِكِينَ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَصْنَامِهِمْ بِمِثَالٍ مَشْهُورٍ.