وَالْفَاءُ فِي فَيُمْسِكُ فَاءُ الْفَصِيحَةِ لِأَنَّ مَا تقدم يَقْتَضِي مُقَدرا يُفْصِحُ عَنْهُ الْفَاءُ لِبَيَانِ تَوَفِّي النُّفُوسِ فِي الْمَقَامِ.
وَالْإِمْسَاكُ: الشَّدُّ بِالْيَدِ وَعَدَمُ تَسْلِيمِ الْمَشْدُودِ. وَالْمَعْنَى: فَيُبْقِي وَلَا يَرُدُّ النَّفْسَ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْمَوْتِ، أَيْ يَمْنَعُهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَى الْحَيَاةِ فَإِطْلَاقُ الْإِمْسَاكِ عَلَى بَقَاءِ حَالَةِ الْمَوْتِ تَمْثِيلٌ لِدَوَامِ تِلْكَ الْحَالَةِ. وَمِنْ لَطَائِفِهِ أَنَّ أَهْلَ الْمَيِّتِ يَتَمَنَّوْنَ عَوْدَ مَيِّتِهِمْ لَوْ وَجَدُوا إِلَى عُودِهِ سَبِيلًا وَلَكِنَّ اللَّهَ لَمْ يَسْمَحْ لِنَفْسٍ مَاتَتْ أَنْ تَعُودَ إِلَى الْحَيَاةِ.
وَالْإِرْسَالُ: الْإِطْلَاقُ وَالتَّمْكِينُ مِنْ مُبَارَحَةِ الْمَكَانِ لِلرُّجُوعِ إِلَى مَا كَانَ وَالْمُرَادُ بِ الْأُخْرى الَّتِي لَمْ تَمُتْ وَلَكِنَّ اللَّهَ جَعَلَهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَيْتَةِ. وَالْمَعْنَى: يَرُدُّ إِلَيْهَا الْحَيَاةَ كَامِلَةً. وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا إِبْرَازُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَفَاتَيْنِ.
وَيَتَعَلَّقُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى بِفِعْلِ يُرْسِلُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى يَرُدُّ الْحَيَاةَ إِلَيْهَا، أَيْ فَلَا يَسْلُبُهَا الْحَيَاةَ كُلَّهَا إِلَّا فِي أَجَلِهَا الْمُسَمَّى، أَيِ الْمُعَيَّنِ لَهَا فِي تَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَالتَّسْمِيَةُ: التَّعْيِينُ، وَتَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٨٢] .
هَذَا هُوَ الْوَجْهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ الْخَلِيُّ عَنِ التَّكَلُّفَاتِ وَعَنِ ارْتِكَابِ شِبْهِ الِاسْتِخْدَامِ فِي قَوْلِهِ: الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى وَعَنِ التَّقْدِيرِ.
وَجُمْلَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ مُسْتَأْنَفَةٌ كَمَا تَذْكُرُ النَّتِيجَةَ عَقِبَ الدَّلِيلِ، أَيْ أَنَّ فِي حَالَةِ الْإِمَاتَةِ وَالْإِنَامَةِ دَلَائِلَ عَلَى انْفِرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّصَرُّفِ وَأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ دُونَ غَيْرِهِ وَأَنْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ الْإِخْبَارَ بِاخْتِلَافِ حَالَتَيِ الْمَوْتِ وَالنَّوْمِ بَلِ الْمَقْصُودُ التَّفَكُّرُ وَالنَّظَرُ فِي مَضْرِبِ الْمَثَلِ، وَفِي دَقَائِقِ صُنْعِ اللَّهِ وَالتَّذْكِيرُ بِمَا تَنْطَوِي عَلَيْهِ مِنْ دَقَائِقِ الْحِكْمَةِ الَّتِي تَمُرُّ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ كُلَّ يَوْمٍ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute