إِذَا ذَكَرَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ أَوْ ذَكَرَ الْمُسْلِمُونَ كَلِمَةَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوب الْمُشْركين من ذَلِك. وَكَذَلِكَ إِذا ذكر الله بِأَنَّهُ إِلَه النَّاس وَلم يذكر مَعَ ذكره أَن أصنامهم شُرَكَاء لله اشمأزت قُلُوبُهُمْ مِنَ الِاقْتِصَارِ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ فَلَا يَرْضَوْنَ بِالسُّكُوتِ عَنْ وَصْفِ أَصْنَامِهِمْ بِالْإِلَهِيَّةِ وَذَلِكَ مُؤْذِنٌ بِأَنَّهُمْ يُسَوُّونَهَا بِاللَّهِ تَعَالَى.
فَقَوْلُهُ: وَحْدَهُ لَكَ أَنْ تَجْعَلَهُ حَالًا مِنِ اسْمِ الْجَلَالَةِ وَمَعْنَاهُ مُنْفَرِدًا. وَيُقَدَّرُ فِي قَوْلِهِ: ذُكِرَ اللَّهُ معنى: ذكر بِوَصْفِ الْإِلَهِيَّةِ وَيَكُونُ مَعْنَى ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ ذُكِرَ تَفَرُّدُهُ بِالْإِلَهِيَّةِ. وَهَذَا جَارٍ عَلَى قَوْلِ يُونُسَ بْنِ حَبِيبٍ فِي وَحْدَهُ. وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَهُ مَصْدَرًا وَهُوَ قَوْلُ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ، أَيْ هُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِفِعْلِ ذُكِرَ لِبَيَانِ نَوْعِهِ، أَيْ ذِكْرًا وَحْدًا، أَيْ لَمْ يُذْكَرْ مَعَ اسْمِ اللَّهِ أَسْمَاءُ أَصْنَامِهِمْ. وَإِضَافَةُ الْمَصَدَرِ إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ لِاشْتِهَارِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ بِهَذَا الْوَحْدِ. وَهَذَا الذِّكْرُ هُوَ الَّذِي يَجْرِي فِي دَعْوَةِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الصَّلَوَاتِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَفِي مَجَامِعِ الْمُسْلِمِينَ.
وَمَعْنَى إِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا ذُكِرَتْ أَصْنَامُهُمْ بِوَصْفِ الْإِلَهِيَّةِ وَذَلِكَ حِينَ يَسْمَعُونَ أَقْوَالَ جَمَاعَةِ الْمُشْرِكِينَ فِي أَحَادِيثِهِمْ وَإِيمَانِهِمْ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى، أَيْ وَلَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ مَعَهَا فَاسْتِبْشَارُهُمْ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى ذِكْرِ أَصْنَامِهِمْ مُؤْذِنٌ بِأَنَّهُمْ يُرَجِّحُونَ جَانِبَ الْأَصْنَامِ عَلَى جَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى. وَالذِّكْرُ: هُوَ النُّطْقُ بِالِاسْمِ. وَالْمُرَادُ إِذَا ذَكَرَ الْمُسْلِمُونَ اسْمَ اللَّهِ اشْمَأَزَّ الْمُشْرِكُونَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا ذِكْرَ آلِهَتِهِمْ وَإِذَا ذَكَرَ الْمُشْرِكُونَ أَسْمَاءَ أَصْنَامِهِمُ اسْتَبْشَرَ الَّذِينَ يُسْمَعُونَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ. وَالتَّعْبِيرُ عَنْ آلِهَتِهِمْ بِ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ
دُونَ لَفْظِ:
شُرَكَائِهِمْ أَوْ شُفَعَائِهِمْ، لِلْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّ عِلَّةَ اسْتِبْشَارِهِمْ بِذَلِكَ الذِّكْرِ هُوَ أَنَّهُ ذِكْرُ مَنْ هُمْ دُونَ اللَّهِ، أَيْ ذِكْرٌ مُنَاسِبٌ لِهَذِهِ الصِّلَةِ، أَيْ هُوَ ذكر خَالٍ عَنِ اسْمِ اللَّهِ، فَالْمَعْنَى: وَإِذَا ذُكِرَ شُرَكَاؤُهُمْ دُونَ ذِكْرِ اللَّهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ.
وَالِاقْتِصَارُ عَلَى التَّعَرُّضِ لِهَذَيْنِ الذِّكْرَيْنِ لِأَنَّهُمَا أَظْهَرُ فِي سُوءِ نَوَايَا الْمُشْرِكِينَ نَحْوَ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي بُطْلَانِ اعْتِذَارِهِمْ بِأَنَّهُمْ مَا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ إِلَّا لِيُقَرِّبُوهُمْ إِلَى اللَّهِ وَيَشْفَعُوا لَهُمْ عِنْدَهُ، فَأَمَّا الذِّكْرُ الَّذِي يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ وَأَسْمَاءُ آلِهَتِهِمْ كَقَوْلِهِمْ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute