وَ (إنْ) مُخَفَّفَةٌ مِنْ إِنَّ الْمُشَدَّدَةِ، وَاللَّامُ فِي لَمِنَ السَّاخِرِينَ فَارِقَةٌ بَيْنَ إَنْ الْمُخَفَّفَةِ وَ (إِن) النافية.
ولَمِنَ السَّاخِرِينَ أَشَدُّ مُبَالَغَةً فِي الدَّلَالَةِ عَلَى اتِّصَافِهِمْ بِالسُّخْرِيَةِ مِنْ أَنْ يُقَالَ: وَإِنْ كُنْتُ لَسَاخِرَةً، كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرُ مَرَّةٍ مِنْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٦٧] .
وَمَعْنَى أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَهُ لِقَصْدِ الِاعْتِذَارِ وَالتَّنَصُّلِ، تُعِيدُ أَذْهَانُهُمْ مَا اعْتَادُوا الِاعْتِذَارَ بِهِ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ: وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ مَا عَبَدْناهُمْ [الزخرف: ٢٠] وَهُمْ كَانُوا يَقُولُونَهُ لِقَصْدِ إِفْحَامِ النَّبِيءِ حِينَ يَدْعُوهُمْ فَبَقِيَ ذَلِكَ التَّفْكِيرُ عَالِقًا بِعُقُولِهِمْ حِينَ يَحْضُرُونَ لِلْحِسَابِ. وَالْكَلَامُ فِي مِنَ
الْمُتَّقِينَ
مثله فِي لَمِنَ السَّاخِرِينَ.
وَأَمَّا قَوْلُهَا: حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَهُوَ تَمَنٍّ مَحْضٌ. ولَوْ فِيهِ لِلتَّمَنِّي، وَانْتَصَبَ فَأَكُونَ عَلَى جَوَابِ التَّمَنِّي.
وَالْكَرَّةُ: الرَّجْعَةُ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ [١٠٢] ، أَيْ كَرَّةً إِلَى الدُّنْيَا فَأُحْسِنَ، وَهَذَا اعْتِرَافٌ بِأَنَّهَا عَلِمَتْ أَنَّهَا كَانَتْ مِنَ الْمُسِيئِينَ. وَقَدْ حُكِيَ كَلَامُ النَّفْسِ فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ عَلَى تَرْتِيبِهِ الطَّبِيعِيِّ فِي جَوَلَانِهِ فِي الْخَاطِرِ بِالِابْتِدَاءِ بِالتَّحَسُّرِ عَلَى مَا أَوْقَعَتْ فِيهِ نَفسهَا، ثمَّ بالاعتذار وَالتَّنَصُّلِ طَمَعًا أَنْ يُنْجِيَهَا ذَلِكَ، ثُمَّ بِتَمَنِّي أَنْ تَعُودَ إِلَى الدُّنْيَا لِتَعْمَلَ الْإِحْسَانَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ [الْمُؤْمِنُونَ: ٩٩، ١٠٠] . فَهَذَا التَّرْتِيبُ فِي النَّظْمِ هُوَ أَحْكَمُ تَرْتِيبٍ وَلَوْ رُتِّبَ الْكَلَامُ عَلَى خِلَافِهِ لَفَاتَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى تَوَلُّدِ هَذِهِ الْمَعَانِي فِي الْخَاطِرِ حِينَمَا يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْإِنْشَاءِ مَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَقْتَضِي الْعُدُولَ عَنْهُ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي كِتَابِ «أُصُولِ الْإِنْشَاء والخطابة» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute