تَأْمُرُونِّي اعْتِرَاضًا أَوْ حَالًا، وَالتَّقْدِيرُ: أَأَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ حَالَ كَوْنِكُمْ تَأْمُرُونَنِي بِذَلِكَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي الْمَثَلِ: تَسْمَعُ بِالْمُعَيْدِيِّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ،
وَفِي الْحَدِيثِ «وَتُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَحْمِلُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ»
. وَقَرَأَ نَافِعٌ تَأْمُرُونِّي بِنُونٍ وَاحِدَةٍ خَفِيفَةٍ عَلَى حَذْفِ وَاحِدَةٍ مِنَ النُّونَيْنِ اللَّتَيْنِ هَمَّا نُونُ الرَّفْعِ وَنُونُ الْوِقَايَةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَحْذُوفَةِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ: فَبِمَ تُبَشِّرُونَ [الْحجر: ٥٤] ، وَفَتَحَ نَافِعٌ يَاءَ الْمُتَكَلِّمِ لِلتَّخْفِيفِ وَالتَّفَادِي مِنَ الْمَدِّ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ تَأْمُرُونِّي بِتَشْدِيدِ النُّونِ إِدْغَامًا لِلنُّونَيْنِ مَعَ تَسْكِينِ الْيَاءِ لِلتَّخْفِيفِ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَفَتْحِ الْيَاءِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ تَأْمُرُونَنِي بِإِظْهَارِ النُّونَيْنِ وَتَسْكِينِ الْيَاءِ.
وَنِدَاؤُهُمْ بِوَصْفِ الْجَاهِلِينَ تَقْرِيعٌ لَهُمْ بَعْدَ أَنْ وُصِفُوا بِالْخُسْرَانِ لِيَجْمَعَ لَهُمْ بَيْنَ نَقْصِ الْآخِرَةِ وَنَقْصِ الدُّنْيَا. وَالْجَهْلُ هُنَا ضِدُّ الْعِلْمِ لِأَنَّهُمْ جَهِلُوا دَلَالَةَ الدَّلَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَمْ تُفِدْ مِنْهُمْ شَيْئًا فَعَمُوا عَنْ دَلَائِلِ الْوَحْدَانِيَّةِ الَّتِي هِيَ بِمَرْأًى مِنْهُمْ وَمَسْمَعٍ فَجَهِلُوا دَلَالَتَهَا عَلَى الصَّانِعِ الْوَاحِدِ وَلَمْ يَكْفِهِمْ هَذَا الْحَظُّ مِنَ الْجَهْلِ حَتَّى تَدَلَّوْا إِلَى حَضِيضِ عِبَادَةِ أَجْسَامٍ مِنَ الصَّخْرِ الْأَصَمِّ. وَإِطْلَاقُ الْجَهْلِ عَلَى ضِدِّ الْعِلْمِ إِطْلَاقٌ عَرَبِيٌّ قَدِيمٌ قَالَ النَّابِغَةُ:
يُخْبِرْكَ ذُو عِرْضِهِمْ عَنِّي وَعَالِمِهِمْ ... وَلَيْسَ جَاهِلُ شَيْءٍ مِثْلَ مَنْ علما
وَقَالَ السموأل أَوْ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْحَارِثِيُّ:
سَلِي إِنْ جَهِلْتِ النَّاسَ عَنَّا وَعَنْهُمُ ... فَلَيْسَ سَوَاءٌ عَالِمٌ وَجَهُولُ
وَحُذِفَ مَفْعُولُ الْجاهِلُونَ لِتَنْزِيلِ الْفِعْلِ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ كَأَنَّ الْجَهْلَ صَارَ لَهُمْ سَجِيَّةً فَلَا يَفْقَهُونَ شَيْئًا فَهُمْ جَاهِلُونَ بِمَا أَفَادَتْهُ الدَّلَائِلُ مِنَ الْوَحْدَانِيَّةِ الَّتِي لَوْ عَلِمُوهَا لَمَا أَشْرَكُوا وَلَمَا دَعَوُا النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى اتِّبَاعِ شِرْكِهِمْ، وَهُمْ جَاهِلُونَ بِمَرَاتِبِ النُّفُوسِ الْكَامِلَةِ جَهْلًا أَطْمَعَهُمْ أَنْ يَصْرِفُوا النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّوْحِيدِ وَأَنْ يَسْتَزِلُّوهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute