وَمَعْنَى كَفَرْتُمْ جَدَّدْتُمُ الْكُفْرَ، وَذَلِكَ إِمَّا بِصُدُورِ أَقْوَالٍ مِنْهُمْ يُنْكِرُونَ فِيهَا انْفِرَادَ اللَّهِ بِالْإِلَهِيَّةِ، وإمّا بملاحظة الْكفْر مُلَاحظَة جَدِيدَةٍ وَتَذَكُّرِ آلِهَتِهِمْ. وَمَعْنَى: وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا إِنْ يَصْدُرْ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ مِنْ أَقْوَالِ زُعَمَائِهِمْ وَرِفَاقِهِمُ الدَّالَّةِ عَلَى تَعَدُّدِ الْآلِهَةِ أَوْ إِذَا أُشْرِكَ بِهِ فِي الْعِبَادَةِ تُؤْمِنُوا، أَيْ تُجَدِّدُوا الْإِيمَانَ بِتَعَدُّدِ الْآلِهَةِ فِي قُلُوبِكُمْ أَوْ تُؤَيِّدُوا ذَلِكَ بِأَقْوَالِ التَّأْيِيدِ وَالزِّيَادَةِ. وَمُتَعَلِّقُ كَفَرْتُمْ وتُؤْمِنُوا مَحْذُوفَانِ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُمَا. وَالتَّقْدِيرُ: كَفَرْتُمْ بِتَوْحِيدِهِ وَتُؤْمِنُوا بِالشُّرَكَاءِ.
وَجِيءَ فِي الشَّرْطِ الْأَوَّلِ بِ إِذا الَّتِي الْغَالِبُ فِي شَرْطِهَا تَحَقُّقُ وُقُوعِهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ دُعَاءَ اللَّهِ وَحْدَهُ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَخْلُو عَنْهُ أَيَّامُهُمْ وَلَا مَجَامِعُهُمْ، مَعَ مَا تُفِيدُ إِذا مِنَ الرَّغْبَةِ فِي حُصُولِ مَضْمُونِ شَرْطِهَا.
وَجِيءَ فِي الشَّرْطِ الثَّانِي بِحَرْفِ إِنْ الَّتِي أَصْلُهَا عَدَمُ الْجَزْمِ بِوُقُوعِ شَرْطِهَا، أَوْ أَنَّ شَرْطَهَا أَمْرٌ مَفْرُوضٌ، مَعَ أَنَّ الْإِشْرَاكَ مُحَقَّقٌ تَنْزِيلًا لِلْمُحَقَّقِ مُنْزِلَةَ الْمَشْكُوكِ الْمَفْرُوضِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ دَلَائِلَ بُطْلَانِ الشِّرْكِ وَاضِحَةٌ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ وَتَدَبُّرٍ فَنَزَّلَ إِشْرَاكَهُمُ الْمُحَقَّقَ مَنْزِلَةَ الْمَفْرُوضِ لِأَنَّ الْمَقَامَ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَا يَقْلَعُ مَضْمُونَ الشَّرْطِ مِنْ أَصْلِهِ فَلَا يَصْلُحُ إِلَّا لِفَرْضِهِ عَلَى نَحْوِ مَا يفْرض الْمَعْدُوم مَوْجُودًا أَوِ الْمُحَالُ مُمْكِنًا.
وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْحُكْمِ لِلْجِنْسِ. وَاللَّامُ فِي لِلَّهِ لِلْمِلْكِ أَيْ جِنْسُ الْحُكْمِ مِلْكٌ لِلَّهِ، وَهَذَا يُفِيدُ قَصْرَ هَذَا الْجِنْسِ عَلَى الْكَوْنِ لِلَّهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ [٢] وَهُوَ قَصْرٌ حَقِيقِيٌّ إِذْ لَا حُكْمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَبِهَذِهِ الْآيَةِ تَمَسَّكَ الْحَرُورِيَّةُ يَوْمَ حَرُورَاءَ حِينَ تَدَاعَى جَيْشُ الْكُوفَةِ وَجَيْشُ الشَّامِ إِلَى التَّحْكِيمِ فَثَارَتِ الْحَرُورِيَّةُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَقَالُوا: لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ (جَعَلُوا التَّعْرِيفَ لِلْجِنْسِ وَالصِّيغَةَ لِلْقَصْرِ) وَحَدَّقُوا إِلَى هَذِه الْآيَة وأغضوا عَنْ آيَاتٍ جَمَّةٍ،
فَقَالَ عَلِيٌّ لَمَّا سَمِعَهَا: «كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ»
اضْطَرَبَ النَّاسُ وَلَمْ يَتِمَّ التَّحْكِيمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute