للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَ (خائِنَةَ الْأَعْيُنِ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ إِلَى فَاعِلِهِ فَالْخَائِنَةُ مَصْدَرٌ عَلَى وَزْنِ اسْمِ الْفَاعِلِ مِثْلُ الْعَافِيَةِ لِلْمُعَافَاةِ، وَالْعَاقِبَةِ، وَالْكَاذِبَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ [الْوَاقِعَة:

٢] وَيَجُوزُ إِبْقَاءُ خائِنَةَ عَلَى ظَاهِرِ اسْمِ الْفَاعِلِ فَيَكُونُ صِفَةً لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْأَعْيُنِ، أَيْ يَعْلَمُ نَظْرَةَ الْأَعْيُنِ الْخَائِنَةِ.

وَحَقِيقَةُ الْخِيَانَةِ: عَمَلُ مَنِ اؤْتُمِنَ عَلَى شَيْءٍ بِضِدِّ مَا اؤْتُمِنَ لِأَجْلِهِ بِدُونِ عِلْمِ صَاحِبِ الْأَمَانَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ نَقْضُ الْعَهْدِ بِدُونِ إِعْلَانٍ بِنَبْذِهِ. وَمَعْنَى: خائِنَةَ الْأَعْيُنِ خِيَانَةَ النَّظَرِ، أَيْ مُسَارَقَةَ النَّظَرِ لِشَيْءٍ بِحَضْرَةِ مَنْ لَا يُحِبُّ النَّظَرَ إِلَيْهِ. فَإِضَافَةُ خائِنَةَ إِلَى الْأَعْيُنِ مِنْ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى آلَتِهِ كَقَوْلِهِمْ: ضَرَبَ السَّيْفَ.

وَالْمُرَادُ بِ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ النظرة الْمَقْصُود مِنْهَا إِشْعَارُ الْمَنْظُورِ إِلَيْهِ بِمَا يسوء غَيرهَا الْحَاضِرِ اسْتِهْزَاءً بِهِ أَوْ إِغْرَاءً بِهِ. وَإِطْلَاقُ الْخَائِنَةِ بِمَعْنَى الْخِيَانَةِ عَلَى هَذِهِ النَّظْرَةِ اسْتِعَارَةٌ مَكْنِيَّةٌ، شَبَّهَ الْجَلِيسَ بِالْحَلِيفِ فِي أَنَّهُ لَمَّا جَلَسَ إِلَيْكَ أَوْ جَلَسْتَ إِلَيْهِ فَكَأَنَّهُ عَاهَدَكَ عَلَى السَّلَامَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُجَالَسَةَ يَتَقَدَّمُهَا السَّلَامُ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ إِنْبَاءٌ بِالْمُسَالَمَةِ فَإِذَا نَظَرْتَ إِلَى آخَرَ غَيْرِكُمَا نَظَرًا خَفِيًّا لِإِشَارَةٍ إِلَى مَا لَا يُرْضِي الْجَلِيسَ مِنِ اسْتِهْزَاءٍ أَوْ إِغْرَاءٍ فَكَأَنَّكَ نَقَضْتَ الْعَهْدَ الْمَدْخُولَ عَلَيْهِ بَيْنَكُمَا، فَإِطْلَاقُ الْخِيَانَةِ عَلَى ذَلِكَ تَفْظِيعٌ لَهُ، وَيَتَفَاوَتُ قُرْبُ التَّشْبِيهِ بِمِقْدَارِ تَفَاوُتِ مَا وَقَعَتِ النَّظْرَةُ لِأَجْلِهِ فِي الْإِسَاءَةِ وَآثَارِ الْمَضَرَّةِ. وَلِذَلِكَ

قَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا يكون لنَبِيّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ»

، أَيْ لَا تَصْدُرُ مِنْهُ.

ووَ مَا تُخْفِي الصُّدُورُ النَّوَايَا وَالْعَزَائِمُ الَّتِي يُضْمِرُهَا صَاحِبُهَا فِي نَفْسِهِ، فَأُطْلِقَ الصَّدْرُ عَلَى مَا يُكِنُّ الْأَعْضَاءُ الرَّئِيسِيَّةُ عَلَى حَسَبِ اصْطِلَاحِ أَصْحَاب اللُّغَة.