للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ [غَافِر: ٣٥] وَمَا بَيْنَ هَذَا وَذَاكَ اعْتِرَاضٌ وَاسْتِطْرَادٌ لِأَنَّهَا قُصِدُ مِنْهَا عِظَةُ الْمُشْرِكِينَ بِمَنْ سَبَقَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبِينَ فَلَمَّا اسْتُوفِيَ ذَلِكَ عَادَ الْكَلَامُ إِلَيْهِمْ. وَيُفِيدُ ذَلِكَ صَرِيحَ الْوَعِيدِ لِلْمُشْرِكِينَ بَعْدَ أَنْ ضُرِبَتْ لَهُمُ الْأَمْثَالُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها [مُحَمَّد: ١٠] ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ مَوْعِظَةُ الْمُشْرِكِينَ بِمِثْلِ هَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا الْآيَةُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٦٦] ، وَقَوله: قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ الْآيَةُ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [٣٨] .

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ وَإِذْ يَتَحاجُّونَ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ [غَافِر: ٤٦] لِأَنَّ (إِذْ) وَ (يَوْمَ) كِلَيْهِمَا ظَرْفٌ بِمَعْنَى (حِينَ) ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَحِينَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقَالُ: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ، وَحِينَ يَتَحَاجُّ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ إِلَخْ.

وَقَرَنَ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ بِالْفَاءِ لِإِفَادَةِ كَوْنَ هَذَا الْقَوْلِ نَاشِئًا عَنْ تَحَاجِّهِمْ فِي النَّارِ مَعَ كَوْنِ ذَلِكَ دَالًّا عَلَى أَنَّهُ فِي مَعْنًى مُتَعَلِّقِ إِذْ، وَهَذَا اسْتِعْمَالٌ مِنِ اسْتِعْمَالَاتِ الْفَاءِ الَّتِي يُسَمِّيهَا النُّحَاةُ زَائِدَةً، وَأَثْبَتَ زِيَادَتَهَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْأَخْفَشُ وَالْفَرَّاءُ وَالْأَعْلَمُ وَابْنُ بُرْهَانٍ، وَحَكَاهُ عَنْ أَصْحَابِهِ الْبَصْرِيِّينَ. وَضَمِيرُ يَتَحاجُّونَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عَائِدٌ إِلَى آلِ فِرْعَوْنَ.

ويفيد مَعَ ذَلِك تعريضا بوعيد الْمُشْركين كَمَا هُوَ مُقْتَضى الْمُمَاثلَة المسوقة وَضمير يَتَحاجُّونَ غير عَائِد إِلَى آل فِرْعَوْنَ [غَافِر: ٤٦] لِأَنَّ ذَلِكَ يَأْبَاهُ قَوْلُهُ: وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ [غَافِر: ٤٩] وَقَوْلُهُ: أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ [غَافِر: ٥٠] وَلَمْ يَأْتِ آلَ فِرْعَوْنَ إِلَّا رَسُولٌ وَاحِدٌ هُوَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيَعُودُ ضَمِيرُ يَتَحاجُّونَ إِلَى مَعْلُومٍ مِنَ الْمَقَامِ وَهُمْ أَهْلُ النَّارِ.

وَالْتَحَاجُّ: الِاحْتِجَاجُ مِنْ جَانِبَيْنِ فَأَكْثَرَ، أَيْ إِقَامَةُ كُلِّ فَرِيقٍ حُجَّتَهُ وَهُوَ يَقْتَضِي وُقُوعَ خِلَافٍ بَيْنِ الْمُتَحَاجِّينَ إِذِ الْحجَّة تأييد لدعوى لِدَفْعِ الشَّكِّ فِي صِحَّتِهَا.

وَالضُّعَفَاءُ: عَامَّةُ النَّاسِ الَّذِينَ لَا تَصَرُّفَ لَهُمْ فِي أُمُورِ الْأُمَّةِ. وَالَّذِينَ