اخْتِلَافِ جَزَاء الْفَرِيقَيْنِ وَهَذَا الْإِيمَاءُ إِدْمَاجٌ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ.
وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ آمَنُوا عَاطِفَةٌ الْجُمْلَةَ عَلَى الْجُمْلَةِ بِتَقْدِيرِ: وَمَا يَسْتَوِي الَّذِينَ آمَنُوا.
وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: وَلَا الْمُسِيءُ عَاطِفَةٌ الْمُسِيءُ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا عَطَفَ الْمُفْرَدِ عَلَى الْمُفْرَدِ، فَالْعَطْفُ الْأَوَّلُ عَطْفُ الْمَجْمُوعِ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ [الْحَدِيد: ٣] .
وَإِنَّمَا قَدَّمَ ذِكْرَ الْأَعْمَى عَلَى ذِكْرِ الْبَصِيرِ مَعَ أَنَّ الْبَصَرَ أَشْرَفُ مِنَ الْعَمَى بِالنِّسْبَةِ لِذَاتٍ وَاحِدَةٍ، وَالْمُشَبَّهَ بِالْبَصِيرِ أَشْرَفُ مِنَ الْمُشَبَّهِ بِالْأَعْمَى إِذِ الْمُشَبَّهُ بالبصير الْمُؤْمِنُونَ، فَقدم ذَكَرَ تَشْبِيهَ الْكَافِرِينَ مُرَاعَاةً لِكَوْنِ الْأَهَمِّ فِي الْمَقَامِ بَيَانَ حَالِ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي الْآيَاتِ إِذْ هُمُ الْمَقْصُودُ بِالْمَوْعِظَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ فَإِنَّمَا رَتَّبَ فِيهِ ذِكْرَ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى عَكْسِ تَرْتِيبِهِ فِي التَّشْبِيهِ بِالْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ اهْتِمَامًا بِشَرَفِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَأُعِيدَتْ (لَا) النَّافِيَةُ بَعْدَ وَاوِ الْعَطْفِ عَلَى النَّفْيِ، وَكَانَ الْعَطْفُ مُغْنِيًا عَنْهَا فإعادتها لإِفَادَة تَأْكِيدَ نَفْيِ الْمُسَاوَاةِ وَمَقَامُ التَّوْبِيخِ يَقْتَضِي الْإِطْنَابَ، وَلِذَلِكَ تُعَدُّ (لَا) فِي مِثْلِهِ زَائِدَةً كَمَا فِي «مُغْنِي اللَّبِيبِ» ، وَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ تَقَعَ (لَا) قَبْلَ (الَّذِينَ آمَنُوا) ، فَعَدَلَ عَنْ ذَلِكَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ عَدَمُ مُسَاوَاةِ الْمُسِيءِ لِمَنْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ، وَأَنَّ ذِكْرَ الَّذِينَ آمَنُوا قَبْلَ الْمُسِيءِ لِلِاهْتِمَامِ بِالَّذِينَ آمَنُوا وَلَا مُقْتَضِيَ لِلْعُدُولِ عَنْهُ بَعْدَ أَنْ قُضِيَ حَقُّ الاهتمام بالذين سبق الْكَلَامُ لِأَجْلِ تَمْثِيلِهِمْ، فَحَصَلَ فِي الْكَلَامِ اهْتِمَامَانِ.
وَقَرِيبٌ مِنْهُ مَا فِي سُورَةِ فَاطِرٍ فِي أَرْبَعِ جُمَلٍ: اثْنَتَيْنِ قُدِّمَ فِيهِمَا جَانِبُ تَشْبِيهِ الْكَافِرِينَ، وَاثْنَتَيْنِ قُدِّمَ فِيهِمَا تَشْبِيهُ جَانِبِ الْمُؤْمِنِينَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ [فاطر: ١٩- ٢٢] .
وقَلِيلًا حَالٌ مِنْ أَكْثَرَ النَّاسِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى قَبْلَهُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute